للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمّا ما ذهب إليه أبو الحسن من أنّ ما بعد الواو منتصبٌ على الظرف، فضعيفٌ، لأنّ قولك: "استوى الماءُ والخشبةَ"، و"سرتُ والنيلَ"، و"كنتُ وزيدًا كالأخَوَيْن" ليست الأسماء فيها ظروفًا، فلا تنتصب انتصابَها. وأمّا ما ذهب إليه الزجّاجُ من أنّه منصوبٌ بإضمار فعل، فهو ضعيفٌ، لا يُحمَل عليه ما وُجد عنه مندوحةٌ. وقوله: الفعل لا يعمل في مفعولٍ، وبينهما الواو، فهو فاسدٌ لأنّ الفعل يعمل في المفعول على الوجه الذي يتعلّق به. فإن كان يفتقر إلى توسُّط حرف عمِل مع وجوده. وإن كان لا يفتقر إلى ذلك، عمل مع عدمه. وقد بَيَّنَّا أن المفعول معه قد تَعلَّق بالفعل من جهة المعنى بتوسُّط الواو، فينبغي أن يعمل مع وجودها. ألا ترى أنّك تقول: "ضربتُ زيدًا وعمرًا" فيعمل الفعل في "عمرو" بتوسُّط الواو لما اقتضاه المعنى؟ كذلك ها هنا.

وأمّا ما ذهب إليه الكوفيون فضعيفٌ جدًّا؛ لأنّه لو جاز نصبُ الثاني، لأنّه مخالفٌ للأوّل، لجاز نصبُ الأوّل أيضًا لأنّه مخالفٌ؛ لأنّ الثاني إذا خالَفَ الأوّلَ؛ فقد خالف الأوّلُ الثانيَ. فليس نصبُ الثاني للمخالفة أوْلى من نصب الأوّل. ثمّ هو باطلٌ بالعطف الذي يخالف فيه الثاني الأوّل، نحو قولك: "قام زيدٌ لا عمروٌ" ونظائرِ ذلك، فلو كان ما ذكروه من المخالفة لازمًا، لم يكن ما بعد "لَا" في العطف إلّا منصوبًا.

فإن قيل: نحن متى عطفنا اسمًا على اسم بالواو، دخل الثاني في حكم الأوّل، واشتركا في المعنى، فكانت الواوُ بمعنى "مَعَ"، فلِمَ اختصصتم هذا البابَ بمعنى "مَعَ"، قيل: الفرق بين العطف بالواو وهذا الباب أنّ الواو التي للعطف تُوجِب الاشتراكَ في الفعل، وليس كذلك الواوُ التي بمعنى "مَعَ"؛ لأنّها توجب المصاحبةَ. فإذا عطفتَ بالواو شيئًا على شيء، دخل في معناه، ولا تُوجِبُ بين المعطوف والمعطوف إليه ملابسةً ومقارنةً، كقولك: "قام زيدٌ وعمرٌو"، فليس أحدُهما مُلابِسًا للآخر، ولا مُصاحِبًا له. وإذا قلت: "ما صنعتَ وأباك"، فإنّما تريد: ما صنعت مع أبيك، وأَيْنَ بلغتَ فيما فعلتَه، وفَعَلَ بك. وإذا قلت: "استوى الماء والخشبة"، و"ما زِلتُ أسيرُ والنيلَ"، يُفهَم منه المصاحبةُ والمقارنةُ، فأمّا قول الشاعر [من الوافر]:

وكُونوا أنتمُ وبني أبيكم ... إلخ (١)

البيتُ من أبيات الكتاب، والشاهدُ فيه نصبُ "بني أبيكم" بالفعل الذي قبلَه، وهو "فكونوا" بوساطةِ الواو، والمرادُ أنّه يحُثّهم على الائتلاف، والتقارب في المَذْهب. وضرب لهم المثلَ بقُرْب الكُلْيَتَيْن من الطحال، أي: لِتكنْ نِسبتكُم إلى بني أبيكم، ونسبةُ بني أبيكم إليكم نسبةَ الكليتين إلى الطحال.

وأمّا قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} (٢)، فإن القُرّاء السبعة أجْمَعوا على قطعِ


(١) تقدم بالرقم ٢٦١.
(٢) يونس: ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>