للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجلٌ منطلقٌ"، فيكون "رجلٌ" بدلاً من "عبد الله" بَدَلَ النكرة من المعرفة، ثمّ حُذف الموصوف وأُقيم الصفة مُقامَه.

وأمّا قولهم: "ما شأنُك قائمًا؟ "، و"ما لك واقِفًا؟ "، فَـ "ما" استفهامٌ، وهو في موضعِ رفع بالابتداء، و"شأنُك" الخبرُ، أو يكون "شأنُك" مبتدأً، و"مَا" الخبرَ قد تقدّم، و"قائمًا" حالًا، والناصبُ لـ "قائمًا" "شأنُك"، لأنّه في معنَى "ما تَصْنَعُ"، أو "ما تُلابِسُ في هذه الحال". وكأنّه شيءٌ عَرَفَه المتكلّمُ من المسؤُول الذي هو الكافُ في "شأنُك"، فسَألَه عن شأنه في هذه الحال، وقد يكون فيه إنكارٌ لقِيامه، ويسأله عن السبب الذي أدّى إليه، فكأنّه قال: "لِمَ قمت".

وعلى هذا المعنى يجوز أن يكون قولُه تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} (١)، كأنّه أنكر إعراضَهم، فوَبَّخهم على السبب الذي أدّاهم إلى الإعراض، فأخرجه مُخْرَجَ الاستفهام في اللفظ، وتأويلُ "ما لك قائمًا"، تأويلُ "ما شأنُك قائمًا" كأنّه قال: "ما تصنع".

فأمّا قولهم: "مررتُ بزيدٍ راكبًا" على أن تكون الحالُ من "زيد"، فإنّ ذلك جائزٌ؛ لأنّ الحال قد تكون من المجرور كما تكون من المنصوب، إذا كان العاملُ في الموضع فعلًا، لا خِلافَ في جوازِ ذلك، فإن قدّمتَ الحالَ من المجرور على الجارّ والمجرور، نحوَ قولك: "مررتُ راكبًا بزيدٍ"، وأنت تجعل "راكبًا" لزيد، فإنّ سيبويه (٢) وأبا بَكْرِ بنَ السرّاج، ومَن تبِعهما مَنَعَا من جوازِ ذلك، لأنّ العامل، وإن كان الفعلَ، لكنّه لمّا لم يصل إلى ذي الحال الذي هو "زيدٌ" إلَّا بواسِطةِ حرف الجرّ، لم يجز أن يعمل في حاله قبل ذِكْرِ ذلك الحرف، وكما لا يجوز تقديمُ صاحب الحال على حرف الجرّ، كذلك لا يجوز تقديمُ الحال عليه. وقد أجازه ابنُ كَيْسانَ قياسًا، إذ كان العاملُ فيه الفعلَ في الحقيقة.

فصل [وقوع المصدر حالًا]

قال صاحب الكتاب: "وقد يقع المصدر حالاً كما تقع الصفة مصدراً في قولهم: "قم قائماً"، وفي وقوله [من الطويل]:

٢٧٧ - [ألم ترني عاهدت ربي وإنني ... لبين رتاجٍ قائمًا ومقامِ


(١) المدثر: ٤٩.
(٢) الكتاب ٢/ ١٢٤.
٢٧٧ - التخريج: البيتان للفرزدق في ديوانه ٢/ ٢١٢؛ وأمالي المرتضى ١/ ٦٣، ٦٤؛ وتذكرة النحاة ص ٨٥؛ وخزانة الأدب ١/ ٢٢٣، ٤/ ٤٦٣؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ١٧٠؛ والكتاب ١/ ٣٤٦؛ ولسان العرب ٢/ ٢٥٠ (خرج) (البيت الثاني)؛ والمحتسب ١/ ٥٧؛ والمقتضب ٤/ ٣١٣؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>