للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاعلُ لا يجوز حذفُه. والثاني أنّه قد يُؤنَّث الفعل لتأنيثِ المستثنى، فيقال: "ما قامت إلَّا هندٌ". قال ذو الرُمَّة [من الطويل]:

٣١٠ - بَرَى النَّحْزُ والأجْرازُ ما في غُروضها ... فما بَقِيَتْ إلَّا الصُّدورُ الجَراشِعُ

ومن ذلك قِراءةُ الحسن، وجماعةٍ من القُرّاء غير السَّبْعَة: {فأصْبَحُوا لاَ تُرَى إلّا مَسَاكِنُهُمْ} (١) فأنَّت، وإن كان القياسُ التذكيرَ, لأنّه من مواضع العُمُوم والتذكيرِ، إذ التقديرُ: فما بقي شيءٌ ولا يُرَى شيءٌ. فإذا قلت: "ما قام إلَّا زيدٌ"، و"ما رأيت إلّا زيدًا"، و"ما مررت إلّا بزيد"، فهو بمنزلةِ "قام زيدٌ"، و"رأيت زيدًا"، و"مررت بزيد" في أنّ الفعل عاملٌ في الفاعل والمفعولِ بعد "إلّا" كما يعمل إذا لم يكن "إلّا"، مذكورًا. وهذا معنى قوله: "جارٍ على إعرابه قبل دخولِ كلمةِ الاستثناء".

وفائدةُ الاستثناء في قولك: "ما قام إلّا زيدٌ" إثباتُ القيام له، ونَفْيُه عمّن سِواه، ولو قلت: "قام زيدٌ لا غيرُ"، لم يكن فيه دلالةٌ على نَفْيه عن غيره، فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: "والمشبه بالمفعول منها هو الأول, والثاني في أحد وجهيه. وشبهه به لمجيئه فضلةً, وله شبهٌ خاصّ بالمفعول معه, لأن العامل فيه بتوسط حرف".

* * *


٣١٠ - التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٢٩٦, وتخليص الشواهد ص ٤٨٢, وتذكرة النحاة ص ١١٣؛ والمحتسب ٢/ ٢٠٧؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٤٧٧؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢/ ١٧٢.
اللغة: النحز: الضرب والسوق الشديد. الأجراز: ج الجرز، وهي الأرض القاحلة. الغروض: ج الغرض، وهو الحبل، أو حزام السرج. الجراشع: ج الجرشع، وهو المنتفخ الجنبين.
المعنى: يصف الشارع ناقته التي أصيبت بالهزال من شدّة الضرب والسير بها في أرض قاحلة لا نبات فيها.
الإعراب: "برى": فعل ماضٍ. "النحز": فاعل مرفوع. "والأجراز": الواو حرف عطف، "الأجراز" معطوف على "النحز" مرفوع. "ما": اسم موصول في محلّ نصب مفعول به. "في غروضها": جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صلة الموصول، وهو مضاف، وها: ضمير في محلّ جرّ بالإضافة، "فما": الواو حرف استثناف، ما: حرف نفي. "بقيت": فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. "إلا": حرف حصر. "الصدور" فاعل مرفوع. "الجراشع": نعت "الصدور" مرفوع بالضمّة.
وجملة "برى ... ": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "ما بقيت ... ": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "فما بقيت إلّا الصدور الجراشع" حيث دخلت تاء التأنيث على الفعل "بقي" لأنّ فاعله المستثنى مؤنّث.
(١) الأحقاف: ٢٥. وهي قراءة ابن كثير وعاصم، والحسن، والأعمش، وغيرهم. انظر: البحر المحيط ٨/ ٦٥؛ وتفسير القرطبي ١٦/ ٢٠٦؛ والكشاف ٣/ ٥٢٤؛ ومعجم القراءات القرآنية ٦/ ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>