للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه شيئًا, لأنه مذكورٌ على سبيل التعريف، فإذا قلت: "جاءني رجلٌ غيرُ زيد"، فقد وصفتَه بالمغايَرة له، وعدمِ المماثَلة، ولم تَنْفِ عن زيد المَجيءَ، وإنّما هو بمنزلة قولك: "جاءني رجلٌ ليس بزيدٍ". وأمّا إذا كانت استثناءً، فإنّه إذا كان قبلها إيجابٌ، فما بعدها نفىٌ، وإذا كان قبلها نفىٌ، فما بعدها إيجابٌ, لأنّها ههنا محمولةٌ على "إلّا"، فكان حكُمها كحكمه.

وقوله: "يَمَسُّه إعرابُ ما قبله"، يُشير إلى أنَّه وصفٌ يتبع ما قبله في إعرابه كما تتبع سائرُ الصفات، فتقول: "هذا رجلٌ غيرُك"، فترفعُه لأنّ موصوفه مرفوعٌ، وتقول: "رأيت رجلًا غيرَك"، و"مررت برجلٍ غيرك" كما تقول: "هذا رجلٌ عالمٌ"، و"رأيت رجلًا عالمًا"، و"مررت برجلٍ عالمٍ"، فيكون إعرابُ "عالمٍ" كإعراب "الرجل". من حيث هو نعتٌ له.

وقوله: "ودلالته عليها من وجهَيْن: من جهةِ الذات، ومن جهة الصفة"، يريد أنّه قد دلّ على شيئين: على الذات الموصوفة، وهو الإنسان مَثَلًا، وعلى الوصف الذي استحقّ به أن يكون "غيرًا"، وهو المغايرةُ، كما أنّك إذا قلت: "أسْوَدُ" فقد دلّ على شيئين: على الذات، والسواد الذي استحقّ به أن يكون أسودَ. فهما شيئان: حاملٌ، ومحمولٌ. فالحاملُ الذاتُ، والمحمولُ السوادُ، وكذلك "ضاربٌ" دلّ على الضَّرْب وذاتَ الضارب. فأمّا قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (١) إلخ، فقد قرئ بالرفع والجرّ والنصب (٢)، فالرفع على النعت لـ "القاعدون"، ولا يكون ارتفاعهُ على البدل في الاستثناء, لأنّه يصير التقديرُ فيه: لا يستوي إلّا أُولُو الضرر، وليس المعنى على ذلك، إنّما المعنى لا يستوي القاعدون الأصحّاءُ والمجاهدون، والجرُّ على النعت لِـ"المؤمنين"، والمعنى لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحّاء والمجاهدون، والمعنى فيهما واحدٌ، والنصبُ على الاستثناء

وقوله: "ثمّ دخل على "إلّا" في الاستثناء"، يريد أنّ أصل "غيرٍ" أنّ يكون صفةً لِما ذكرناه، ثمّ دخل على "إلّا" لمضارعة بينهما، فاستُثني به كما يستثنى بـ "إلَّا".

* * *

قال صاحب الكتاب: "وقد دخل عليه "إلا" في الوصفية. وفي التنزيل


(١) النساء:٩٥.
(٢) قراءة الرفع هي قراءة الجمهور، وقرأ بالنصب نافع وابن عامر والكسائي وعاصم وغيرهم. وقرأ بالجرّ الأعمش وأبو حيوة.
انظر: البحر المحيط ٣/ ٣٣٠؛ وتفسير الطبري ٩/ ٨٥؛ وتفسير القرطبي ٥/ ٣٤٤؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٥١؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ١٥٥ - ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>