للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (١). والمراد: غيرُ الله، فهذا لا يكون إلّا وصفًا, ولا يجوز أنّ يكون بدلًا يراد به الاستثناء, لأنّه يصير في تقديره: لو كان فيهما إلّا الله لفسدتا. وذلك فاسدٌ لأنّ "لَوْ" شرطٌ فيما مضى، فهي بمنزِلة "إن" في المستقبل. وأنت لو قلت: "إن أتاني زيدٌ"، لم يصحّ, لأن الشرط في حكم الموجَب. فكما لا يصح "أتاني إلّا زيدٌ"، كذلك لا يصحّ "إن أتاني إلاّ زيد". فلو نصبتَ على الاستثناء، فقلت: "لو كان فيهما آلهةٌ إلّا الله"، لجازَ، ومن ذلك قول الشاعر عمرو بن مَعْدِ يكَرِبَ [من الوافر]:

وكلّ أخ مفارقه أخوه ... إلخ

فـ "إلّا" وما بعدها بمعنى "غيرٍ" صفةٌ لـ"كلّ"، ولو جعله وصفًا لـ"أخ" لَخفض. وقال: "إلّا الفرقدين" لأنّ ما بعد "إلّا" في الوصف يكون إعرابُه تابعًا لإعراب ما قبلها. والمرادُ: كل أخٍ مُفارِقُه أخوه غيرُ الفرقدَيْن، فإنّهما لا يفترِقان في الدنيا كافتراقِ الأخوَيْن.

واعلم أنّه لا يجوز أن تكون "إلّا" صفة إلّا في الموضع الذي يجوز أنّ تكون فيه استثناء. وذلك أنّ تكون بعد جمع، أو واحدٍ في معنى الجمع، إمّا نكرةٍ منفيةٍ، وإمّا فيه الألف واللامُ لتعريف الجنس, لأنّ هذا هو الموضعُ الذي تجتمِع فيه هي و"غَيْرٌ" فتقارضَا. ولم تكن بمنزلتها في غير هذا الموضع، لأنّهما لم تجتمعا فيه. لو قلت: "مررتُ برجل إلّا زيدٍ" على معنى "غير زيدٍ"، لم يجز, لأنّ "إلّا" موضوعةٌ لأن يكون ما بعدها بعضًا لما قبلها, وليس "زيدٌ" بعضًا لـ"رجل"، فامتنع لذلك.

وقوله: "لا يجوز إجراؤه مجرى غير إلّا تابعًا"، يريد أنّ "إلّا" وما بعدها، إنّما تكون صفة إذا كان قبلها اسم مذكورٌ، ولا يجوز حذفُ الموصوف فيه، وإقامةُ الصفة مقامَه، كما جاز ذلك مع "غيرٍ"، لأنّ "غيرًا" اسمٌ متمكِّنٌ، تعمل فيه العواملُ، فيجوز أنّ يُقام مُقامَ الموصوف. فإذا قلت: "مررت بمثلك"، وإن كان تقديرُه: برجل مثلِك، فليس خفضُه هنا بحكم التَّبَعِيّة، بل بالحرف الخافض. وكذلك إذا قلت: "قام غيرُك"، فارتفاعُه بالفعل قبله، كما كان ارتفاعُ الموصوف لو ذَكَرَه. وكذلك النصبُ في قولك: "رأيتُ غيرَك"، هو منصوبٌ بوقوع الفعل عليه، لا بحكمِ أنّه صفةٌ تابعٌ. فـ "إِلَا" إنّما وُصف بها حَمْلًا على "غيرٍ". وإذا كانت "غيرٌ" نفسُها، إذا حذف موصوفُها لا تبقى نعتًا، إذ النعت يقتضي منعوتًا متقدِّمًا عليه، كان ما حُمل عليه، وهو حرفٌ، لا يعمل فيه عاملٌ، لا رافعٌ، ولا ناصبٌ، ولا خافضُ، أشدَّ امتناعًا، فلم يجز لذلك حذفُ الموصوف وإقامتُه مُقامَه، فلا تقول: "ما قام إلّا زيدٌ"، وأنت تريد الصفةَ، كما جاز "ما قام غيرُ زيد".

وقد شبّهه سيبويه بـ "أجمعون" في التأكيد من حيثُ إنّه لا يكون إلّا تأكيدًا


(١) الأنبياء: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>