للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما جاء الفصلُ فيه أيضًا قولُ دُرْنَا بنتِ عَبْعَبَةَ، من بني قيْسٍ بن ثَعْلَبَةَ [من الطويل]:

هما أَخَوَا في الحَرْب من لا أَخَا له ... إذا خافَ يومًا نَبوَة فَدعَاهما

الشاهد فيه إضافةُ "الأخوَين" إلى "مَن" مع الفصل بالجارّ والمجرور، وهو كالذي تقدّم تَرْثِي أخَوَيْها. تقول: كانا لمَن لا أخَ له في الحرب، ولا ناصرَ كالأخوَين ينصُرانه. وأمّا قول الفَرزدَق [من المنسرح]:

يا مَن رَأَى عارِضًا أَرِقْتُ له ... بَينَ ذِراعَيْ وجَبْهَةِ الأَسَدِ

فأنشده سيبويه (١) على أنّه فصل بين المضاف والمضاف إليه، وأن المعنى بين ذراعَي الأسدِ، والجَبهَةُ مُقْحَمةٌ على نية التأخير. وقد رد ذلك عليه محمدُ بن يزيدَ (٢)، وقال: لو كان كما ظن؛ لقال: "وجبهَتِه"، لكنه من بابِ العطف، والتقديرُ: بين ذراعَي الأسدِ، وجبهةِ الأسدِ. ومثلُه في حذفِ المضاف إليه من الأوّل لدلالةِ الثاني عليه قوله [من البسيط]:

يا تَيمَ تَيمَ عَدِي [لا أبالكُمُ ... لا يُلْقيَنكُمْ في سَوْأه عُمَرُ] (٣)

والمراد: يا تيم عدي تيم عديّ، فهو من قبيلِ "مررتُ بخيرِ وأفضلِ من ثم".

والمرادُ: بخيرِ مَن ثم، وأفضل مَن ثم، وقد اختار صاحبُ هذا الكتاب هذا الوجه، وهذا لا يقدَح فيما ذهب إليه سيبويه؛ لأنه يجوز أن يكون المراد ما ذكره، ويكون الفصلُ صحيحًا بالجبهة، ويجوز أن يكون كما ذكره أبو العباس، ولا يخرج عن الفصل، وإن كان المضافُ إليه مقدرًا؛ لأن المضاف إليه، لما حُذف من اللفظ؛ وَلِيَ المضافُ شيئًا غيرَ المضاف إليه. وهذه صورةُ الفصل بين المضاف والمضاف إليه، ألا ترى أنّه استُقبح "علمتُ أن يقومُ زيدٌ"، وإن كانت الهاءُ مقدّرة، لأنها لم تخرج إلى اللفظ؛ وَلِيَ الحرفُ الفعلَ، فقبح عندهم، حتى تَعرضوا السينَ، أو"سَوْفَ"، أو"قَدْ". فكما أن هذا المحذوف لمّا لم يخرج إلى اللفظ؛ لم يُعتدّ به، كذلك المضافُ إليه إذا حُذف، لم يقع به اعتدادٌ، فحصل الفصل بين المضاف، والمضاف إليه.

وأما قوله: كان يلزم أن يقول (٤): "وجبهته"؛ فتقول: وعلى ما ذهب إليه أبو العباس يلزمه أن يقول: "وجبهته" أيضًا، فعُذرُه عن ذلك عُذرُ سيبويه.

وأما معنى البيت؛ فإنه وصفُ عارضِ سَحاب، اعترض بين نَوْءِ الذراع، ونَوءِ الجبهة، وهما من أنواء الأسد. وأنواؤه من أحمد الأنواء، وذَكَرَ الذراعَيْن، والنوْء للذراع المقبوضةِ منهما، لاشتراكهما في أعضاء الأسد والتسمية، ونظيره قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا


(١) الكتاب ١/ ١٨٠.
(٢) انظر: المقتضب ٤/ ٢٢٩.
(٣) تقدم بالرقم ٢٠٧.
(٤) في الطبعتين: "تقول"، وهذا تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>