للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الآخر [من الرجز]:

قد صَرَّتِ البَكْرَةُ يومًا أجمعا (١)

فأكّد "يومًا" وهو نكرةً. ولا حجّةَ في هذه الأبيات لقِلّتها وشُذوذِها في القياس، مع أنّ الرواية [من البسيط]:

يا ليت عدّةَ حولِ كلَّه رجبُ

بالإضافة، وإذا أضيف كان معرفةً، والرواية في قوله [من الرجز]:

يومًا جديدًا كلُّه مطَّردا

برفعِ "كُلّ" على تأكيدِ المضمر في "جديد"، والمضمراتُ كلُها معارفُ. وأما قوله [من الرجز]:

قد صرّت البكرة يومًا أجمعا

فلا يُعرَف قائله مع شُذوذه.

فإن قيل: "ومن أينَ زعمتم أنّ هذه الأسماء التي يؤكد بها معارفُ؟ فالجوابُ: أمّا ما أضيف منها إلى المضمر، فلا إشكالَ في تعريفه، نحو قوله: "كُلُّهُ"، و"نفسُه"، و"عينُه". وأمّا "أجمع"، و"أجمعون"، وتوابعُهما، فقد اختلف الناسُ في تعريفها، من أيّ وجه وقع لها التعريفُ، فذهب قومٌ إلى أنّها في معنَى المضاف إلى المضمر؛ لأنّك إذا قلت: "رأيت الجَيْشَ أجمعَ كان في تقديرِ: "رأيت الجيشَ جَمِيعَه وكذلك إذا قلت: "رأيت القومَ أجمعين"، كان في تقديرِ "رأيت القومَ جميعَهم وكان يجب أن تقول: "جاءني القومُ كلُهم، أَجْمَعُهم، أَكْتَعُهم، أَبْصَعُهم"، فحذفوا المضاف إليه، وعوّضوا من ذلك الجمعَ بالواو والنون، فصارت الكلمةُ بذلك الجمعِ يراد بها المضافُ، والمضافُ إليه، ولهذا لم يَجْرِين على نكرةٍ، وصار ذلك كجَمْعهم "أَرْضٌ" على "أَرضينَ" عوضًا من تاءِ التأنيث.

فإن قيل: إِنّ تاء التأنيث تتنزّلُ من الاسم منزلةَ جُزْء منه، ولذلك كانت حرفَ الإعراب منه، فقالوا: "قائمةٌ"، و"قاعدةٌ"، عوّضوا منها كما عوّضوا ممّا حُذف من نفسِ


= توكيد معنوي منصوب بالفتحة، والهاء: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. "مطرّدا": صفة ثانية منصوبة بالفتحة.
وجملة "إذا القعود كرّ": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "القعود وفعلها المحذوف": في محل جرّ بالإضافة. وجملة "كرّ": تفسيرية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "حَفَدَ فيها": جواب شرط غير جازم لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله: "يومًا جديدًا كله" حيث أكد قوله "يومًا" - وهو نكرة محدودة- بقوله "كله" فذلك يدل على جواز تأكيد النكرة المحدودة بألفاظ لتوكيد المعارف.
(١) تقدم بالرقم ٤١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>