للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا العطفُ عليه، فإنّه لا يخلو من أن يكون مرفوعَ الموضع، أو منصوبَ الموضع، أو مجرورَ الموضع.

فإن كان مرفوع الموضع، لم يجز العطفُ عليه إلَّا بعد تأكيده، نحو: "زيدٌ قام هو وعمرٌو"، و"قمتُ أنا وزيد". قال الله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (١)، لما أراد العطفَ على الضمير في "اسكن"؛ أكّد بالضمير المنفصل، ثمّ أتى بالمعطوف. ومثله قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} (٢). أكد الضميرَ المرفوعَ في "يراكم"، ثم عطف عليه.

ولو قلت: "زيدٌ قام وعمرٌو" بعطفِ "عمرو" على المضمر المستكِنّ في الفعل، لم يجز، ولكان قبيحًا، إلَّا أن يطول الكلامُ، ويقع فصلٌ، فيحنئذٍ يجوز العطفُ، ويكون طُولُ الكلام، والفاصلُ سادًّا مَسَدَّ التأكيد، نحو قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} (٣) بالرفع في قِراءةِ بعضهم، فإنه عطف "الشركاء" على المضمر المرفوع في "أجمعوا" حين طال الكلامُ بالمفعول. ونحوه قوله: {مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} (٤)، عطف "الآباء" على المضمر المرفوع حين وقع فصلٌ بين حرف العطف، والمعطوف بحرف النفي وهو "لا"؛ فأما قوله [من الخفيف]:

قلتُ إذْ أقبَلَتْ وزُهْرٌ تَهادَى ... كنِعاجِ المَلا تَعَسَّفْنَ رَمْلَا

قد تَنَقَّبنَ بالحَرِيرِ وأَبْدَيْنَ ... عُيُونًا حُورَ المَدامِعَ نُجْلَا

فإن الشعر لعمر بن أبي رَبيعَةَ، والشاهدُ فيه عطفُ "زُهْرٍ" على المضمر المستكِنّ في الفعل ضرورة. وكان الوجهُ أن يقول: "إذ أقبلت هي وزُهْرٌ"، فيُؤكِّد الضمير المستكنَّ لِيقوَى، ثمّ يعطِف عليه. والزُّهْرُ: جمعُ زَهْراءَ، وهي البيضاء المُشْرِقة. وتَهادَى أي يَمْشِين مَشْيًا رُوَيْدًا بسكونٍ. والنِّعاجُ: بَقَرُ الوَحْش، شبّه النساء بها في سكون المَشْي فيه. وتعسّفن: ركبن. وإذا مشت في الرمل كان أسكنَ لمَشيها لصُعوبة المشي فيه. والمَلا: الفَلاةُ الواسعةُ. ومع ذلك فإنّه يتفاوَتُ قُبْحُه، فقولُك: "زيدٌ ذهب وعمرٌو"، أو" قُمْ وعمرٌو" أقبحُ من قولك: "قمتُ وعمرٌو"؛ لأن الضمير في "قمتُ" له صورةٌ، ولفظٌ، وليس له في قولك: "قُمْ وعمرٌو" صورةٌ. وقولُك: "قمتُ وزيدٌ" أقبحُ من قولك: "قُمْنَا وزيدٌ"؛ لأنّ الضمير في"قمتُ" على حرف واحد، فهو بعيدٌ من لفظِ الأسماء، والضميرُ في"قُمْنَا" على حرفَين، فهو أقربُ إلى الأسماء. وعلى هذا، كلَّما قوِي لفظُ الضمير، وطال، كان العطفُ عليه أقلَّ قُبحًا.


(١) البقرة: ٣٥.
(٢) الأعراف: ٢٧.
(٣) يونس: ٧١. وهي قراءة أبي عمرو. والحسن وعيسى بن عمر وغيرهم. انظر: البحر المحيط ٥/ ١٧٩؛ وتفسير الطبري ١١/ ٩٩؛ وتفسير القرطبي ٨/ ٣٦٢؛ والكشاف ٢/ ٢٤٥؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٨٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣/ ٨٥.
(٤) الأنعام: ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>