للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميمُ والألف، فلا يُلْبِس بواحدٍ، ولا تثنيةٍ؛ لأنّ الواحد لا ميَم فيه، والتثنيةَ يلزم فيها الألفُ. وإذا حذفتَ الواو، سكنتَ الميم؛ لأنّه أبلغُ في التخفيف، ومع ذلك، فالحركة قبل حرف اللين لمّا لم يكن بدّ منها، كانت من لَوازِمه وأعْراضِه، كالصَّفير لحروفِ الصفير, والتكريرِ للراء. فكما إذا حُذفت هذه الحروفُ، زالت هذه الأعراضُ معهما؛ كذلك إذا حُذف حرفُ اللين، زالت الحركةُ معه، إذ كانت من لوازمه، وقلت في جمعِ المؤنّث: "ضربْتُنَّ" بتشديد النون، لتكون نونان بإزاءِ الميم والواو في المذكّرِين. وذلك أنّ ضمير المؤنّث على حسبِ ضمير المذكّر، فإنّ كانت علامةُ المذكّر حرفًا واحدًا، فعلامةُ المؤنّث حرفٌ واحدٌ، وإن كانت علامةُ المذكّر حرفَيْن، كانت علامةُ المؤنّث حرفَين، فقلت: "الهِنْداتُ ضَرَبْنَ"، بنون واحدة حيث قلت: "الزيدون قاموا"، وقلت: "ضربتُنَّ" بنونَيْن حيث قالوا: "قُمْتُمُوا"، و"ضربْتُمُوا" ليكون الزيادتان بإزاء الميم والواو في جمع المذكّر.

وتقول في ضمير الغائب المذكّر: "زيدٌ ضَرَبَ"، وفي التثنية: "الزيدان ضَرَبَا"، وفي الجمع: "الزيدون ضربوا"، فيكون ضميرُ الواحد بلا لفظٍ، والتثنيةُ والجمعُ بعلامةٍ ولفظٍ. فالألفُ في "قَامَا" علامةُ التثنية، وضميرِ الفاعل. والواوُ علامةُ الجمع، وضميرِ الفاعل. وإنّما كان الواحدُ بلا علامةٍ، والتثنيةُ والجمعُ بعلامةٍ، من قِبَل أنّه قد استقّر، وعُلم أنّ الفعل لا بدّ له من فاعلِ كالكتابة التي لا بدّ لها من كاتب، والبِناءِ الذي لا بدّ له من بانٍ، ولا يحدُث شيءٌ من تِلّقاءِ نفسه، فالفاعلُ معلومٌ، لا محالةَ، إذ لا يخلو منه فعلٌ، وقد يخلو من الاثنين والجماعةِ، فلمّا كان الفاعل معلومًا لاستحالةِ فعلٍ بلا فاعلٍ، لم يُحتج له إلى علامةٍ تدُل عليه. ولمّا جاز أنّ يخلو من الاثنَيْن والجماعةِ احتيج لهما إلى علامة.

وقد اختلف العلماء في هذه الألف والواو، فذهب سيبويه إلى أنّهما قد تكونان تارةً اسمَيْن للمضمرَيْن، ومرّةَ تكونان حرفَيْن دالَّيْن على التثنية والجمع، فإذا قلت: "الزيدان قامَا" فالألفُ اسمٌ، وهي ضميرُ الزيدَيْن، وإذا قلت: "الزيدون قاموا"، فالواوُ اسمٌ، وهو ضميرُ "الزيدين". وإذا قلت: "قاما الزيدان"، فالألف حرفٌ مُؤذِنٌ بأنّ الفعل لاثنين، وكذلك إذا قلت: "قاموا الزيدون" فالواو حرف مؤذن بأن الفعل لجماعةٍ. وهي لغةٌ فاشيةٌ لبعض العرب، كثيرةٌ في كلام العرب وأشعارهم، وعليه جاء قولُهم: "أَكَلُونِي البَراغِيثُ" في أحدِ الوجوه، ومنه قول الشاعر [من المتقارب]:

٤٤٢ - يَلُومُونَنِي في اشْتِراءِ الننَخيلِ ... أَهْلِي فكلُّهم يَعْذُلُ


٤٤٢ - التخريج: البيت لأميّة بن أبي الصلت في ديوانه ص ٤٨؛ والدرر ٢/ ٢٨٣؛ وشرح التصريح ١/ ٢٧٦؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ٣٦٣؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢/ ٦٢٩؛ وشرح الأشموني ١/ ١٧٠؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٧٨٣؛ ومغني اللبيب ٢/ ٣٦٥؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٤٦٠؛ وهمع الهوامع ١/ ١٦٠. =

<<  <  ج: ص:  >  >>