للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قلت على هذا: "كَانَ زيدٌ أنتَ خيرًا منه"، أو "ظننتُ زيدًا أنتَ خيرًا منه"، لم يجز؛ لأنّ الفصل ههنا ليس الأولَ، فلا يكون فيه تأكيدٌ له، فأمّا قول الشاعر [من الوافر]:

٤٦١ - وكَائِنْ بالأبَاطِحِ مِن صَدِيقٍ ... يَرانِي لو أُصِبْتُ هو المُصابا

فإنّك لو حملتَه على ظاهره، لم يجز أن يكون "هُوَ" فصلًا, لأنّ "هُوَ" ضميرُ غائبٍ، و"نِي" ضميرُ متكلّم، فلا يصح أن يكون تأكيدًا له، فإن حملتَه على حذفِ مضاف، كأنّه قال: "يرى مُصابي هو المصابَا"، جاز؛ لأنّ الثاني هو الأوَّلُ. وإنّما اشترط أن يكون بين المبتدأ والخبر، أو ما دخل عليهما ممّا يقتضي الخبرَ. وذلك من قِبَل أنّ الغرض به إزالةُ اللبس بين النعت والخبر، إذ الخبرُ نعتٌ في المعنى. وذلك نحوُ قولك: "زيدٌ هو القائمُ", لأنّ الذي بعده معرفةٌ، يمكن أن يكون نعتًا لِما قبله، فلمّا جئت بـ "هُوَ" فاصلةً بَيَّنَ أنّك أردتَ الخبرَ، وأنّ الكلام قد تَمَّ به لفَصْلك بينهما، إذ الفصلُ بين النعت والمنعوت قبيحٌ.

فإنّ قيل: إذا كان الغرض بالفصل إنّما هو الفرق بين النعت والخبر، فما بالُه جاء فيما لا لَبْسَ فيه، نحو قوله تعالى: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (١)، و {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} (٢). ولا لَبسَ في ذلك؛ لأنّ المضمرات لا تُوصَف؟ فالجوابُ أن هذا هو الأصلُ:


٤٦١ - التخريج: البيت لجرير في خزانة الأدب ٥/ ٣٩٧، ٤٠١؛ والدرر ١/ ٢٢٤؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٠؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٧٥؛ ولم أجده في ديوانه؛ وهو بلا نسبة في أمالى ابن الحاجب ص ٦٦٢؛ وخزانة الأدب ٤/ ٥٣، ٥/ ١٣٩؛ ورصف المباني ص ١٣٠؛ وشرح الأشموني ٣/ ٦٣٩؛ وهمع الهوامع ١/ ٦٨، ٢٤٦، ٢/ ٧٦.
اللفة: الأباطح: ج أبطح، وهو السيل كثير الرمل والحصى.
المعنى: كثيرون على هذه الأرض يرون في مصابي مصابًا لهم، فالذين يعرفونني كثر.
الإعراب: "وكائن": الواو: حسب ما قبلها، "كائن": اسم تكثير بمعنى "كم" مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. "بالأباطح": جار ومجرور متعلقان بحال محذوفة مقدمة من "صديق". "من صديق": "من": حرف جر زائد، "صديق": اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه تمييز لـ"كائن"."يراني": فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو. "لو": حرف امتناع لامتناع. "أصبت": فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. "هو": حرف فصل لا محل له من الإعراب. "المصابا": مفعول به ثاني منصوب بالفتحة، والألف: للإطلاق.
وجملة "كائن بالأباطح ... يراني": بحسب ما قبلها. وجملة "يراني": في محل رفع خبر. وجملة "لو أصبت": اعتراضية لا محل لها. وجملة "أصبت": جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه: سيوضحه الشارح.
(١) القصص: ٥٨.
(٢) الكهف: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>