للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالذي قائلٌ لك شيئًا أي: الذي هو قائلٌ، ومن ذلك قراءةُ بعضهم {مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} (١) برفعِ "بعوضة" كأنه جعل "مَا" موصولة بمعنَى "الذي"، والمرادُ أن الله لا يَستحيي أن يَضرِبَ مَثَلًا الذي هو بعوضة، ومثلُه قراءةُ بعضهم: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} (٢) أي الذي هو أحسنُ، ومثله قوله [من المنسرح]:

٤٩٦ - لَمْ أَرَ مِثْلَ الفِتْيَانِ في غِيَرِ ... الأَيامِ يَنْسَوْنَ ما عَواقِبُها

أي: ينسون الذي هو عواقبُها. وحذفُ الضمير من هذا ضعيف جدًّا؛ لأن العائد هنا شَطْرُ الجملة، وليس فضلةَ كالهاء في قولك: "الذي كلمتُه". والذي سَهلَه قليلاً العِلمُ بموضعه إذ كانت الصلة لا تكون بالمفرد.

وقد جاءت الصلة محذوفة بالكلية، وذلك شاذ في الاستعمال والقياس. أمّا قِلتُه في الاستعمال، فظاهر، وأمّا في القياس؛ فلأن الصلة هي الصفة في المعنى. وإنّما جيء بـ "الذي" وُصلة إلى ذلك، فلا يسوغ حذفها؛ لأن فيه تفويتَ المقصود، كما لا يجوز حذفُ الصفة من المُبهَم في قولك: "يَا أَيُّها الرجلُ"؛ لأنه هو المقصود بالنداء، و"أَيٌّ" وُصلة إلى ذلك.

فمن ذلك قولُهم في المَثَل: "بَعْدَ اللتَيَّا والتِي" (٣)، بحذفِ الصلة من كل واحد


(١) البقرة: ٢٦. وقراءة الرفع هي قراءة قطرب ورؤبة بن العجاج وغيرهم.
انظر: البحر المحيط ١/ ١٢٣؛ وتفسير القرطبي ١/ ٢٤٣؛ والمحتسب ١/ ٦٤؛ ومعجم القراءات القرآنية ١/ ٣٩.
(٢) الأنعام: ١٥٤. وقد تقدم تخريج هذه القراءة منذ قليل.
٤٩٦ - التخريج: البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص ٤٥؛ وخزانة الأدب ٦/ ١٥٧؛ والمعاني الكبير ٣/ ١٢٧٠؛ ولعدي بن زيد أو لأحيحة بن الجلاح في خزانة الأدب ٣/ ٣٥٣؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص٤٥٥؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٣٨٢؛ والمحتسب ١/ ٦٤، ٢٣٥، ٢/ ٢٥٥.
الإعراب: "لم": حرف جزم وقلب ونفي. "أر": فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة من آخره، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنا. "مثل": مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف. "الفتيان": مضاف إليه مجرور بالكسرة."في غير": جاز ومجرور متعلقان بـ (أرى). "الأيام": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "ينسون": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "ما": اسم موصول مبني في محلّ نصب مفعول به. "عواقبها": خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي، مرفوع بالضمّة، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل مبني في محل جرّ مضاف إليه.
وجملة "لم أر": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ينسون": في محل نصب حال من (الفتيان). وجملة "هي عواقبها": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "ما عواقبها" حيث جاءت "ما" اسمًا موصولًا وحذف الضمير من صلتها، وهذا ضعيف جدًا كما ذكر.
(٣) تقدم تخريج هذا المثل منذ قليل

<<  <  ج: ص:  >  >>