للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعقُب الضيقَ كحَل عِقال المقيَّد. والفَرجَةُ بالفتح في الأمر، وبالضم في الحائط ونحوه ممّا يُرَى. حكى أبو عُبَيْدة عن أبي عمرو بن العَلاء، قال: أخافنا الحجّاج، فهرب إلى نحوِ اليَمَن، وهربت معه، فبَينَا نحن نَسِير، وقد دخلنا إلى أرض اليمن، لَحِقنَا أعرابي على بَعِير يُنشِد [من الخفيف]:

لا تَضِيقَن بالأُمور فقد يُكـ ..... شَف غَماؤُها بغَيْرِ احْتِيالِ

رُب ما تكرَه النفوسُ من الأمر ... له فَرجَةٌ كحَلّ العِقال

فقال أبو عمرو: وما الخبرُ؟ قال: مات الحجاجُ. قال أبو عمرو: وكنتُ بقوله: "فَرْجَةٌ"، بفتح الفاء، أشَد فَرَحًا من قوله: "مات الحجاج".

والضرب الآخر من ضربي النكرة: هو أن تكون نكرة غيرَ موصوفة. وذلك من نحو قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} (١)، فـ "مَا" ههنا نكرةٌ غيرُ موصوفة، والذي يدل على ذلك أنها لو كانت موصوفة؛ لكان بعدها صفةٌ، وليس بعدها ما يصلح أن يكون صفة؛ لأن الصفة إنما تكون مفردة أو جملة. وإذا كان الوصفُ مفردًا، وجب أن يكون نكرة لإبهام الموصوف، وليس ما بعده نكرة ولا جملة، فيكونَ صفة. فثبت بما ذكرناه أنها غيرُ موصوفة، وأنها نكرةٌ لعدم الصلة. وإذا كانت نكرةً، فهي في موضع نصب كما لو كانت النكرةُ ملفوظًا بها، والتقديرُ: إن تُبدُوا الصدقاتِ، فالصدقاتُ نِعمَ شيئًا إبداؤها، أي: نِغمَ الشيءُ شيئًا، فـ "إبداؤها" هو المخصوص بالمدح، فحُذف المضاف الذي هو"الإبداء"، وأقيم المضاف إليه، وهو ضميرُ "الصدقات" مُقامه للدلالة عليه. وإنما قلنا ذلك، لأن "هي" ضميرُ "الصدقات" غيرَ ذي شك، فلا يخلو إما أن يكون على تقدير حذفِ المضاف الذي هو الإبداء، أو لا على تقديره. فلو لم يكن المضاف مقدرًا، لكان المعنى: فنِعمَ شيئًا الصدقاتُ، وتكون "الصدقاتُ" هي الممدوحةَ، وليس المعنى على ذلك، إنما المدحُ راجعٌ إلى إبداءِ الصدقات لا إليها نفسِها، وإخفاؤُها وإيتاؤُها الفقراءَ خيرٌ.

ومن ذلك "مَا" في التعجب، نحو قولك: "ما أحسن زيدًا! " ومنه قوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (٢)، فـ "مَا" نكرة غير موصوفة في موضعِ رفع بالابتداء، و"أكفره" الخبرُ، ومعناه التعجب، أي: هو ممن يُتعجب منه، ومثلُه {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (٣)، أي: هم ممن يقال فيهم ذلك، وقيل: إِن "مَا" استفهامٌ، وهو ابتداءٌ، و"أكفره" الخبرُ، أي: أي شيء حملهم على الكفر مع ما يرون من الآيات الدالّة على التوحيد.

وأمّا القسم الثالث: وهو كونها استفهامًا، فهي فيه غيرُ موصولة ولا موصوفةٍ، وهي سُؤالْ عن ذواتِ غيرِ الأناسي، وعن صفاتِ الأناسيّ، نحو قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ


(١) البقرة: ٢٧١.
(٢) عبس:١٧.
(٣) البقرة: ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>