للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني أن يكون "ماذا" كما هو بمنزلة اسم واحد, كأنه قيل: "أي شيء صنعت؟ " وجوابه بالنصب, وقرىء قوله تعالى: {ماذا ينفقون قل العفو} (١) بالرفع والنصب.

* * *

قال الشارح: قد تقدم القول في "ذَا" من قولك "مَاذَا صنعتَ؟ " أنّها تكون على وجهَيْن:

أحدُهما: أن تكون بمعنَى "الذِي" وما بعده من الفعل والفاعل صلتُه، وهو في موضعِ مرفوع, لأنّه خبرُ المبتدأ الذي هو"مَا".

والوجهُ الثاني: أن يكون "مَا"، و"ذَا" جميعًا اسماً واحدًا، يُستفهم به بمعنَى "مَا"، وموضعُه نصبٌ بالفعل بعده، وقد مضى مشروحًا.

فأمّا البيت الذي أنشده وهو [من الطويل]:

ألا تسألان ... إلخ

البيت للَبِيد، والشاهد فيه رفعُ "أنَحْبٌ" و"ضَلالٌ" على البدل من "مَا"، فدل ذلك على أن "ذَا" في موضع رفع بأنه خبرُ "مَا"، وهو بمعنَى "الذي"، وما بعده صلتُه. والنَّحبُ: النذُرُ، يُقال: "سار فلانٌ على نَحْبٍ" إذا سار فأجْهَدَ السيرَ، كأنه خاطَرَ على شيء، فجَدَّ في السير، كأنه يُعنِّف الإنسانَ على جِدّه في أمر الدنيا وتَعَبِه لها، أي يفعل ذلك لنذرٍ يقضيه، أم لضلالٍ وأمرٍ باطلٍ.

ولا يكون "ذَا" ولا شيءٌ من أسماء الإشارة موصولًا عند البصريين، إلَّا فيما ذكرناه من "ذا" إذا كان معها "مَا". وذهب الكوفيون (٢) إلى أن جميعَ أسماء الإشارة يجوز أن تقع موصولة، وإن لم يكن معها "مَا"، واحتجّوا بأشياء، منها قولُه تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} (٣). ومن ذلك ما قاله ثَعْلَب في قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} (٤) أن هؤلاء بمعنى "الذين"، والمراد: الّذين تقتلون أنفسكم. ومن ذلك قوله [من الطويل]:

عَدَس ما لعباد ... إلخ


(١) البقرة: ٢١٩. وقراءة النصب (العفوَ) هي قراءة الجمهور. وقرأ بالرفع الحسن، وعاصم،
والجحدري. وابن أبي إسحاق، وغيرهم.
انظر: البحر المحيط ٢/ ١٥٩؛ وتفسير الطبري ٤/ ٣٤٦. ٣٤٧؛ وتفسير القرطبي ٣/ ٦١؛ والكشاف ١/ ١٣٣؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٢٧؛ ومعجم القراءات القرآنية ١/ ١٦٩.
(٢) انظر المسألة الثالثة بعد المئة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ص ٧١٧ - ٧٢٢.
(٣) طه: ١٧.
(٤) البقرة: ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>