للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد: أن ألْهُوَ، أي اللهْوَ.

والثاني: حكايةُ بنائه إذا نُقل إلى العَلَمية، وسُمّي به، وفي آخِره الراءُ، فإنه يجتمع القبيلان: بنو تميم وأهل الحجاز علي بنائه، نحوِ قولك: "حَضارِ"، و"سَفارِ"، فحالُه بعد التسمية كحاله قبل التسمية في بنائه؛ لأنه اسمٌ نُقل فبقي علي بنائه، ولم يُعرَب. ولو كان فعلًا، لوجب إذا نُقل إلى العلمية أن يُعرب، نحوَ: "كَعْسَبَ"، و"تَغْلِبَ"، و"اضرب".

فإن قيل: فهلّا كان إعرابُ بني تميم من ذلك في التسمية ما لم يكن آخرُه راءً، نحوَ: "نَزالِ"، و"دَراكِ" دليلًا على أنّه فعل. قيل: لا يدلّ ذلك على كونه فعلًا؛ لأنهم أجروا ذلك مُجْرَى "أيْنَ"، و"كَيْفَ"، و"كَمْ" إذا سُمّي به، وإجماعُهم مع الحجازيين على بناءِ ما كان آخره راءٌ بعد التسمية به دلالةٌ على أنّه اسمٌ عندهم.

الثالث: إنّه يُنون فَرْقا بين المعرفة والنكرة، وذلك إذا قلت: "صَهْ"، كان معرفة، وإذا قلت: "صَهٍ"، كان نكرة، والتعريفُ من خصائص الأسماء، ويؤيّد ما قلناه جُمودُها، وعدمُ تصرّفها.

فإن قيل: هذه تعمل عملَ الأفعال، وتُفيد فائدةَ الأفعال من الأمر والنهي والزمان الخاص، ألا تراك إذا قلت: "هَيْهاتَ"، فهمتَ البُعدَ في زمانٍ ماضٍ، وهذه دلالةُ الفعل، فهلاّ قلت: إنها أفعالٌ، وتكون من قبيل الألفاظ المترادِفة، فـ "صَهْ"، و"اسْكُتْ" بمنزلةِ: "ذَهَبَ"، و"مَضَى"، و"قَعَدَ"، و"جَلَسَ". قيل: قد تقدّمت الدلالةُ على اسميةِ هذه الكِلَم بما فيه مَقْنَعٌ، وأمّا إعمالها عملَ الأفعال؛ فللشَبَه الواقع بينها وبين الأفعال، وأمّا دلالتُها على ما تدلّ عليه الأفعال من الأمر والنهي والزمان الخاص؛ فإنّما استُفيد من مدلولها لا منها نفسِها، فإذا قلت: "صَهْ"، دل ذلك على "اسْكُتْ"، والأمرُ مفهوم منه، أي: من المسمى الذي هو "اسكت". و"هَيْهاتَ" اسم، ومسمّاه لفظ آخَر، وهو بعُدَ، فالزمانُ معلومٌ من المسمى لا من الاسم.

ولمّا كانت هذه الألفاظ أسماءٌ للأفعال كالأعلام عليها؛ كان فيها كثير من أحكام الأعلام، وذلك أن فيها المرتجَلَ والمنقول والمشتقّ، فالمرتجلُ، نحوُ: "صَهْ"، و"مَهْ"، والمنقول كـ" عَلَيْكَ" و"إلَيْكَ"، و"دُونَكَ"، والمشتقّ كـ" نَزالِ"، و"حَذارِ"، و"بَدادِ".

وهذه الأسماء على ضربين كما ذُكر: ضرب لتسمية الأوامر، وضرب لتسمية الأخبار، والغَلَبَةُ للأول. وإنما كان الغالب فيها الأمرَ، لِما ذكرناه من أنّ الغرض بها الإيجاز مع ضرب من المبالغة. وذلك بابُه الأمر؛ لأنه الموضع الذي يُجْتزأ فيه بالإشارة، وقرينةِ حال، أو لفظٍ عن التصريح بلفظ الأمر. ألا ترى أنّك تقول لمَن أشال سَوْطًا، أو سدد سَهْمًا، أو شهر سيفًا: "زيدًا"، أو"عمرًا"، فتستغني بشاهدِ الحال عن أن تقول: "أوْجِعْ "، أو "ارْمِ"، أو"اضْرِبْ". ويكفي من ذلك الإشارةُ وشاهد الحال، وقامت

<<  <  ج: ص:  >  >>