للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: قد تقدّم أن هذه الأسماء تكون نكرة ومعرفة، فإذا أريد بها النكرةُ، نُوّنتْ، وكان التنوين دليلَ التنكير، وإذا أريد بها المعرفةُ، واعتُقد ذلك فيها، سقط التنوينُ منها، وكان سقوطُه عَلَمَ المعرفة، وذلك نحو "صَهْ"، و"صَهٍ"، و"إِيهِ"، و"إِيهٍ". هذا مقتضى القياس فيها، إلَّا أنها من جهة الاستعمال على ثلاثة أضرب: منها ما يُستعمل معرفة ونكرة، ومنها ما لم يستعمل إلَّا معرفة، ومنها ما لم يستعمل إلَّا نكرة.

فالأول نحو قولك: "إِيهِ"، و"إِيهٍ"، و"صَهْ"، و"صَهٍ"، و"مَهْ"، و"مَهٍ"، و"غاقِ"، و"غاقٍ"، وأُف"، و"أف". فـ "إِيهِ" من غير تنوين معرفةٌ، ومعناه الاستزادة. قال ذو الرُّمّة [من الطويل]:

وقَفْنَا وقُلْنَا إِيهِ عن أُم سالِم ... وما بالُ تَكْلِيمِ الدِّيارالبَلاقِعِ (١)

لما أراد المعرفةَ، لم يأتِ فيه بالتنوين، وكان الأصمعيّ يُخطىء ذا الرمّة في هذا البيت، ويزعم أن العرب لا تقول إلَّا "إِيهٍ" بالتنوين. وجميعُ البصريين صوبوا ذا الرمّة، وقسموا "إيه" إلى معرفة ونكرة، فالمعرفة: "إيهِ" بلا تنوين، والنكرةُ: "إيه" منوّنا، وقالوا: خَفِيَ هذا الموضعُ على من عابه. والقولُ فيه أن الأصمعي أنكره من جهة الاستعمال، والنحويّون أجازوه قياسًا, ولا خلافَ بينهم في قلةِ استعماله.

ومن ذلك "صَهْ" من غير تنوين معرفةً، و"صَهٍ" منونا نكرة، ومثله "مَهْ"، و"مَهٍ"، فـ"مَه" في المعرفة، ومعناه الكَفّ، و"مَه" في النكرة، ومعناه: كَفا. وكذلك إذا قلت في حكايةِ صوت الغُراب: "غاقِ"، و"غاقٍ"، إذا نونت، كان نكرةً، ومعناه: بُعْدًا بُعْدًا، أو فِراقًا فِراقًا؛ لأن صوت الغراب يُؤذن بالفراق والبُعْدِ عندهم، ولذلك سمّوه غراب البَيْن. وكأنهم فهِموا ذلك من لفظه، إذ كان الغُراب من الغُرْبة والاغترابِ. وإذا أريد به المعرفةُ، تُرك منه التنوين، نحو: "غاقِ غاقِ".

ومن ذلك "أُف"، و"أُف" وقد تقدّم الكلام فيه. فالتنوين الذي يدخل في هذه الأصوات إنّما يفرق بين المعرفة والنكرة، ولا يكون في معرفةِ ألبتّةَ، ولا يكون إلَّا تابعًا لحركات البناء، وليس كتنوين "زيد" و"عمرو" الذي يكون بعد حركات الإعراب في المعرفة والنكرة.


= بالضمة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا "من مال": جار ومجرور متعلقان بـ "أثمر". "ومن ولد": الواو: حرف عطف، و"من ولد": جار ومجرور معطوفان على "من مال".
وجملة "امهل مهلا": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "فداء لك الأقوام": استئنافيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة "أثمر": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه أنَّ "فداء" اسم فعل أمر، كما لاحظنا، منقول عن المصدر مبني على الكسر، ونون للتنكير.
(١) تقدم بالرقم ٥٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>