للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه , حتى " أصابه من الشدة ما غَيَّر لونه وأذهب لحمه، ونهكت جسمه حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، وعليه فروة قد رفعها، فيبكي لما كان يعرف من نعمته، وحلفت أمه حين أسلم وهاجر ألا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بظل حتى يرجع إليها، فكانت تقف للشمس حتى تسقط مغشيا عليها، وكان بنوها يحشون فاهها بشجار، وهو عود , فيصبون فيه الحساء لئلا تموت " (١).

ولذا تغيرت حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وتبدلت أحواله في ملبسه ومأكله وشأنه كله , فقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إنا لجلوس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، وما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة، ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟» قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنتم اليوم خير منكم يومئذ» (٢).

وعن عروة بن الزبير عن أبيه - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً بقُباء ومعه نفر، فقام مصعب بن عمير - رضي الله عنه - عليه بردة ما تكاد تواريه، ونكَس القوم، فجاء فسلم , فردوا عليه، فقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - خيراً وأثنى عليه، ثم قال: «لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة يكرمانه وينعمانه، وما فتى من فتيان قريش مثله , ثم خرج من ذلك


(١) عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام , ٤/ ٥٢.
(٢) الترمذي: سنن الترمذي , كتاب أبواب صفة القيامة والرقائق والورع , باب حديث علي في ذكر مصعب بن عمير ... , ٤/ ٦٤٧ , رقم ٢٤٧٦ , هذا حديث حسن غريب.

<<  <   >  >>