للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه هي حال معظم الصرفيين من الاشتقاق من الاسم الجامد إلا أننا نجد أبا العلاء (١)

يقر هذا الأمر بلا غضاضة، وبلا نكير. قال عند قول أبي تمام:

حَضرَمتُ دَهري وَأَشكالي لَكُم وَبِكُم ... حَتّى بَقيتُ كَأَنّي لَستُ مِن أُدَدِ [بحر البسيط]

((.. ((حضرمتُ دهري) أي: جعلته بحضرموت. فكأنه اجترأ على بنية هذه الكلمة لما كانت العرب تقول: رجل حضرمي؛ إذا نسبوه إلى حضرموت؛ فبني الفعل على ذلك، وهذا كما يقال: ((مَضَّرتُ فلانا))؛ إذا نسبته إلى مُضَر،

و ((قيَّسته))؛ إذا نسبته إلى قيس)) (٢).

ـ قال عند قول أبي تمام:

جَلَّيتَ وَالمَوتُ مُبدٍ حُرَّ صَفحَتِهِ ... وَقَد تَفَرعَنَ في أَوصالِهِ الأَجَلُ [بحر البسيط]


(١) ويشارك التبريزي أبا العلاء في عدم إنكاره على هذا النوع من الاشتقاق، حيث قال في أحد المواضع يشرح بيت أبي تمام يمدح فيه المأمون:
نيطَت قَلائِدُ عَزمِهِ بِمُحَبِّرٍ ... مُتَكَوِّفٍ مُتَدَمشِقٍ مُتَبَغدِدِ [بحر الكامل].
((وصف نفسه (أي أبوتمام) بـ ((مُتَكَوِّفٍ)) يَمُتُّ إلى المأمون بأنه شيعي؛ لأن المأمون أظهر التشيع في أول أمره، وأهل الكوفة ينسبون إلى أنهم شيعة. وقال: ((مُتَدَمشِقٍ))؛ لأنه من أهل جاسم. وقال: ((مُتَبَغدِدِ))؛ أي هوظريف)). [٢/ ٥٥ـ٥٦ب٤٣]. وقال في موضع آخر:

((قُلْنِست: من القلنسوة، ويقال: قَلْنَسْتُه وقَلْسَيْتُه، ولوقال: قَلَّسْتُه بالتشديد لكان وجها)). [٣/ ٢٦٤ب٢٥]
ومما أشار إليه التبريزي أيضا إمكانية اشتقاق الفعل من الحرف. قال عند قول أبي تمام:
يا مَنزِلاً أَعطى الحَوادِثَ حُكمَها ... لا مَطلَ في عِدَةٍ وَلا تَسويفا [بحر الكامل].
((يقال: سَوَّف الرجل؛ إذا مطله .. وأصل ذلك أن يقول: سوف أفعل .. فهذا يدل على أن اشتقاق ((التسويف)) من ((سوف)) التي تدخل على الفعل المضارع؛ فتخلصه للاستقبال)). [٢/ ٣٧٦ب٢]. وشاركه الزمخشري في ذلك فقال: ((سَوَّف الأمر؛ إذا قال: سوف أفعل)).
[أساس البلاغة: مادة سوف، ص ٤٦٧]. وجاء في المعجم الوسيط: ((فَأَفَأَ: أكثر من ترديد حرف الفاء في كلامه؛ فهو فَافأٌ، وفأفاء)). [مادة: فأفأ، ٢/ ٦٩٦].
(٢) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [٤/ ٣٣٧ب٧].

<<  <   >  >>