للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَما صُقِلَ السَّيفُ اليَماني لِمَشهَدٍ ... كَما صُقِلَت بِالأَمسِ تِلكَ العَوارِضُ [بحر الطويل]

((... و ((العوارض)) جمع عارض، وهوالناب والضرس الذي يليه، يريد أن ثغرها واضح، والأجود ألا يجعله صُقِلَ بالبشام وعيدان السواك .. إلا أن قوله

((بالأمس)) يدل على أنه أراد السواك، والأحسن في حكم الشعر أن يَدَّعي صقالها بالفطرة لا بالتصنع)) (١).

الشعر ـ كما رسم صورته أبو العلاء في النصوص السابقة ـ تسوغ فيه بعض الأمور لا تسوغ في النثر، ويتعارف الشعراء فيما بينهم على بعض الأمور فيه، كما أن له ((حكمًا)). والحكم ـ بمعنى القضاء ـ لا يصدر إلا عن قواعد ومبادئ. والشعر ولا ريب يصطنع من الوسائل اللغوية التي تجعله ((كلاما غير الكلام العادي، أو لغة داخل اللغة، أو ـ إن شئنا الدقة والاختصار معا ـ تجعله شعرا)) (٢). كما أنه يقوم على المجاز الذي يقوم بدوره على ((مفارقة التركيب للمألوف في الاستعمال في اللغة غير الفنية بكسر قوانين الاختيار بين الكلمات)) (٣).

****

• مواضع استخدام قرينة الاستعمال اللغوي:

التمييز بين مستويين من ((السمات اللغوية)) أمر واضح وجلي في أقوال أبي العلاء، تبرزه بوضوح وجلاء تعليقاته المتناثرة هنا وهناك، ويمثل المستوى الأول منها ((السمات النمطية)) التي يمثلها الاستعمال اللغوي العام، والمستوى الثاني

((السمات الفردية المتغيرة)) التي يمثلها استخدام أبي تمام.

ومن الباحثين المعاصرين من أقر وأكد وجود مثل هذين المستويين، إذ يقول:

((وإذا نظرنا إلى السمات اللغوية في لغة ما على أنها مجموعة من الثوابت Constants والمتغيرات Variables كانت السمات الثوابت هي القواعد العامة التي


(١) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [٢/ ٢٩٥ب٤].
(٢) د. محمد حماسة عبد اللطيف: الجملة في الشعر العربي، ص ٦
(٣) د. محمد حماسة عبد اللطيف: النحو والدلالة، ٩٦ ـ ٩٨

<<  <   >  >>