كتاب شرحا أبي العلاء والخطيب التبريزي على ديوان أبي تمام دراسة نحوية صرفية

المعتزلة من الفرق الإسلامية التي اعتمدت على العقل اعتمادًا كبيرًا، ولا يجادل أحد في ذلك ولا يماري، وحتي عندما انقسمت إلى مدرستين: مدرسة البصرة، ومدرسة بغداد ظل ((الاعتماد على العقل في تفسير النصوص الشرعية قاسمًا مشتركًا بين المدرستين)) (١). بل إنهم في بعض الأحيان ((اعتبروا العقل قبل الشرع)) (٢).

وساند العقلَ عندهم في تأويل القرآن والحديث المروي ((اللغةُ))،فقد حظيت اللغة ((بجانب عظيم من اهتمام المعتزلة، وأخضعوها إلى حد كبير لمنهجهم العقلي)) (٣). وأبو الفتح عثمان ابن جني أحد الذين اعتنقوا الفكر الاعتزالي، ومثل كثيرًا من آرائه (٤).

وهنا نتساءل: هل تأثر أبو العلاء بهذا الفكر الاعتزالي الذي نقل إليه من خلال آراء ابن جني؟

والإجابة بالإثبات، من جانبين: جانب تاريخي، وجانب عملي.

أما الجانب التاريخي، فأبو العلاء لم يقم برحلة خارج بلدته إلا إلى بغداد، التى كانت ((في القرن الرابع الهجري موئل العلم، ومثابة العلماء، وملتقى الكتاب والشعراء والأدباء، فيها غنيت ساحات الخلفاء والملوك والرؤساء بفنون المناظرة والمساجلة والجدل، وعمرت المكتبات بألوف الكتب المؤلفة والمترجمة، المطولة

(١) الموسوعة الإسلامية العامة: المعتزلة، د. السيد محمد الشاهد، ص ١٣١٩، وزارة الأوقاف، القاهرة ١٤٢٤هـ، ٢٠٠٣م
(٢) موقف المعتزلة من تفسير القرآن والأحاديث المروية، د. مصطفى الصاوي الجويني، مقال بمجلة العربي ع ١٢٢، ص١٣٨
(٣) المصدر السابق، ص ١٤٠
(٤) د. محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي، ص٦٤، ط١، دار الشروق ١٩٩١م، ومن الآراء التي تأثر بها ابن جني ما نقله السيوطي في المزهر١/ ١٠ في قوله: ((وقال ابن جني في الخصائص ـ وكان هو وشيخه أبو على الفارسي مُعْتَزِلِيَّيْن: باب القول على أصل اللغة، إلهام هي أم اصطلاح؟ هذا موضع مُحْوِج إلى فضل تأمُّل، غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة، إنما هو تواضع واصطلاح، لا وحي ولا توقيف)).