للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد تشدد شيوخ هذه المدرسة في ((الاطراد في القواعد)) تشددا جعلهم ((يطرحون الشاذ، ولا يعولون عليه في قليل أو كثير، وكلما اصطدموا به خطأوه أوأولوه)) (١)، وأما من حيث الاستقراء ((فقد اشترطوا صحة المادة التي يشتقون منها قواعدهم، ومن أجل ذلك رحلوا إلى أعماق نجد وبوادي الحجاز وتهامة؛ يجمعون تلك المادة من ينابيعها الصافية التي لم تفسدها الحضارة، وبعبارة أخرى رحلوا إلى القبائل المتبدية المحتفظة بملكة اللغة وسليقتها الصحيحة، وهي قبائل تميم وقيس وأسد وطيئ، وبعض عشائر كنانة)) (٢)، فقد ((كانت لغة البدو هي القدوة المثلى والنموذج الرفيع)) (٣). وفكرتهم في ذلك ((أن الانعزال في كبد الصحراء وعدم الاتصال بالأجناس الأجنبية يحفظ للغة نقاوتها، ويصونها من أي مؤثر خارجي، وأن الاختلاط يفسد اللغة، وينحرف بالألسنة)) (٤)، فهم يرون في ((الاختلاط بغير العرب سبيلا لفساد القول، واختلاط اللسان، وموردا لكثير من الألفاظ والأساليب، وطرق التعبير التي لا تعرفها العربية)) (٥).

فقد رأوا أن ((الحضر قد فسد بالاختلاط، بل كانوا لا يأخذون عن البدوي إلا إذا لم يفسده الحضر، فكانوا لا يأخذون عن الأعرابي إذا فهم القول الملحون)) (٦).


(١) المدارس النحوية: ص١٨، ويقول د. شوقي ضيف في موضع آخر: ((على أنه ينبغي أن نعرف أن المدرسة البصرية حين نَحَّتِ الشواذ عن قواعدها لم تحذفها ولم تسقطها، بل أثبتتها، أوعلى الأقل أثبتت جمهورها، نافذة في كثير منها إلى التأويل))، [المدارس النحوية: ص ١٦٢]
(٢) المدارس النحوية: ص ١٨ ـ ١٩
(٣) يوهان فك: العربية، دراسة في اللغة واللهجات والأساليب، ترجمة د. رمضان عبد التواب، ٩٣، [ط١، ١٩٨٠، الخانجي].
(٤) د. أحمد مختار عمر: البحث اللغوي عند العرب، ص ٣٤ [عالم الكتب، ط ٦، ١٩٨٨].
(٥) د. شعبان صلاح: مواقف النحاة من القراءات القرآنية، ص ٣٣، [دار غريب، ٢٠٠٥].
(٦) أحمد أمين: ضحى الإسلام، ٣١٤، [الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، ١٩٩٧م]. وقد دفع هذا الحرص أيضًا إلى ظهور ما سماه د. رمضان عبد التواب في ترجمته لكتاب ((العربية)) ليوهان فك بمبدإ ((تنقية اللغة)) الذي تبناه الأصمعي واحتضنه ابن قتيبة بشدة، هذا الاحتضان جعل البطليوسي ينحى باللائمة على ابن قتيبة؛ لأنه لم ((يعن بمذاهب الثقات الآخرين من علماء اللغة، ولوعلى سبيل العرض فحسب)). وكان لمبدأ تنقية اللغة هذا ((أثر في التربية اللغوية للمجتمع العربي، أن صارت عربية البدوتعد القدوة المثلى، والمثل الأعلى من جميع الوجوه))، بل إن هذا المبدأ ((احتذاه الشعر الرفيع في جميع العصور كما هوالأعم الأغلب)). [يُنْظَرُ: يوهان فك: العربية، ٩٩، ١٠٩].

<<  <   >  >>