للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد عبر ابن جني عن هذه الفكرة أيضا قائلا: ((باب في ترك الأخذ عن أهل المدر كما أخذ عن أهل الوبر: ... ولوعلم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم، ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم؛ لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر. كذلك لوفشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة

وخبالها، وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها؛ لوجب رفض لغتها، وترك تلقي ما يرد عنها)) (١).

وجملة القول أن أبرز سمات هذا المذهب تتجلى في ((الدقة والحيطة؛ فقد اشتهر نحاة البصرة بانتقاء الأساليب الفصيحة، والشواهد الصحيحة؛ لقد سمعوا عن العرب كثيرا؛ ولكنهم لم يقبلوا كل ما سمعوا، ولم يعتمدوا كل ما روي لهم، ولم تقم قواعدهم على الرواية العابرة، أوالبيت النادر، أوالقولة النابية. إنهم أرادوا أن يضعوا أسس علم، وأرادوا لهذه الأسس أن تكون قوية؛ فلا بد من أن تكون متواترة، أوقريبة من التواتر؛ حتى ترسخ قواعدها فلا تزلزل، وحتى يقوى أساسها فلا يلين)) (٢)

وقد اعتمدت مدرسة البصرة على القياس؛ إذ ((اقتصر البصريون على جواز القياس على المشهور الشائع، وأبوا القياس على القليل أوالنادر، في حين أن الكوفيين قد أجازوا القياس على الشاهد الواحد أوالشاهدين)) (٣). ولقد توسع البصريون في القياس والتعليل؛ إذ ((طلبوا لكل قاعدة علة، ولم يكتفوا بالعلة التي هي مدار الحكم؛ فقد


(١) الخصائص: [٢/ ٥]، [سلسلة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، تحقيق: محمد على النجار]
(٢) د. مصطفى عبد العزيز السنجرجي: المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، ص ١٧، [دار الفيصلية، مكة المكرمة، ط١، ١٩٨٦م].
(٣) د. إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة، ص٩ [مكتبة الأنجلو، ط٧، ١٩٩٤م].

<<  <   >  >>