للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالجوابُ من وجهين:

أحدهما: أنَّ الخُلد لا يستلزم الدوام والبقاء، بل هو المكث الطويل، كما سيأتي (١) .

الثاني: أنَّ إبليس لما حلف لهُ، وغَرَّه وأطمعه في الخلود نسي ما قُدَّرَ له من عُمُره.

قالوا: وأيضًا فمن المعلوم الَّذي لا ينازع فيه مسلمٌ أنَّ اللَّه سبحانه خلق آدم عليه السلام من تربة هذه الأرض، وأخبر أنَّه خلقه {مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) } [المؤمنون: ١٢]، وأنَّه خلقهُ {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) } [الحجر: ٢٦]. فقيل: هو الَّذي له صلصلة ليُبْسِهِ.

وقيل: هو الَّذي قد تَغَيَّرت رائحته، من قولهم: صَلَّ اللحم إذا تغيَّرَ.

والحَمَأُ: الطِّيْنُ الأسود المُتَغَير. والمَسْنُون: المَصْبُوب.

وهذه كلها أطوار للتراب الَّذي هو مبدؤه الأوَّل، كما أخبرَ عن أطوار خلق الذرية {مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} [الحج: ٥] ولم يخبر سبحانه وتعالى أنَّه رفعه من الأرضِ إلى فوق السماوات، لا قبل التَّخْلِيق ولا بعده، فأين الدليل الدَّالُّ على إصْعاد مادَّته، أو إصعاده (٢) هو بعد خلقه، وهذا ما لا دليل لكم عليه، ولا هو لازِمٌ من لوازم ما


(١) ص (٨٢، ٧٨٤).
(٢) في "ب، ج": "وإصْعَاده".