للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرِيمُهُ، قد لازَمَهُ كَأَنَّهُ غَريمُهُ. فما انفصل، حتى ظن أن

عارِضَ الليل قد نَصَل. فلما علم أبو محمد بانفصال القاضي عن المتوكل، وقد أضَرَّ به من شدَّة

التثقل، بعث إليه قطيع خَمْر، وطبق وَرْد، وكتب إليه:

إليكَهَا فَاجْتَلِهَا مُنيرَةً ... وقَد خَبَا حتّى الشِّهَابُ الثَّاقِبُ

وَاقِفَةً بالبابِ لَمْ يُؤْذَنْ لَها ... إلاَّ وَقَدْ كَادَ يَنامُ الحَاجبُُ

فَبَعْضُها من المَخَاف جَامدٌ ... وَبَعْضُهَا من الحَيَاءِ ذَائبُ

فلما رآها المتوكل، وضعها أمامه، وكتب إلى أبي محمد ببيتين هما:

قَد وَصَلَتْ تِلْكَ التي زَفَفْتَهَا ... بِكْراً وَقَدْ شَابَتْ بِهَا ذَوائبُ

فَهُبََّّ حتى نستَردَّ ذَاهِبا ... من يَوْمِنَا إن استُردَّ ذَاهبُ

فصار إليه أبو محمد، ونقل ما كان في المجلس، فوضع بين يدي المتوكل، وباتا ليلتهما، لا يَريمَان

السَّهَر؛ ولا يشيمَان برقا إلا الكأس والوَتَر.

قال واصطبح المعتمد في بعض أيام مُلْكه، وسعدُه مستقيم على فلكه، والدهر من خُدَّامه، والنصر

مُلازِمٌ لأعلامه والأرضُ قد نَشَرَت مُلاَءَها؛ وَسَحَبَتْ رِدَاءَها وَجَرَّتْ فوقها ذُيُولَ السَّحَابِ؛ فاكتَسَتْ

أحْسَن جِلْبَاب. واهتَزَّ الرَّوْض لتغريد حَمَامه؛ وبرز الوردُ من كِمَامه، والأشجارُ قد نشرت شعرها؛

<<  <  ج: ص:  >  >>