للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويسلبونهم أموالهم وثرواتهم عن طريق الضرائب والرشى والهدايا ونحوها، بل إنهم تعدوا على حرمات الأوقاف وأموال العجزة واليتامى. وكانوا لا يسمحون للجزائري أن يقترب من النفوذ السياسي. وقد مكنوا طائفة اليهود في الاقتصاد، وكانوا يفضلون الأسيرة المسيحية على المرأة الجزائرية المسلمة، ثم إنهم كانوا لا يتكلمون لغة الجزائريين ولا يستعملونها في الإدارة إلا قليلا، ولا يوظفون الجزائريين إلا في الوظائف الثانوية، ولا يسوون في تطبيق أحكام الشريعة بين المسلم الجزائري والمسلم العثماني، كما كانوا جفاة غلاظا امتاز عهدهم بالعنف الدموي وقصر فتراتهم في الحكم وبالفوضى وانتشار الرشوة والظلم والفساد.

وهذا هو الجانب الأسود من العهد العثماني. أما الجانب المضيء منه فهو أن العثمانيين قد أنقذوا بتدخلهم، في بداية القرن العاشر، المغرب الإسلامي من الاحتلال الأجنبي المؤكد. وقد كانوا في ذلك غزاة مجاهدين تحالفوا مع الجزائريين لصد العدوان الصليبي وحماية الثغور وإقامة حكم إسلامي ثابت وقوي ظل طيلة ثلاثة قرون شوكة في حلق العدو وقذى في عينه وصخرة تحطمت عليها كل محاولات الغزو الخارجي. وقد ظل عامل الجهاد هو العامل الموحد الأساسي بينهم وبين الجزائريين. ورغم أن معاملة الجزائريين لهم كانت على أساس الأخوة الإسلامية فإنهم قد جعلوا الحكم (تركيا) وليس (إسلاميا) فلم يشركوا الجزائريين معهم فيه، بل احتكروه لأنفسهم طيلة ذلك التاريخ؛ وجعلوا أنفسهم أوصياء على شعب يفوقهم عددا وحضارة وشجاعة. وإذا كان للوجود العثماني مبررات دولية في القرن العاشر فإنه لم يبق له مبررات في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، ولا سيما بعد تراجع المد الإسباني والبرتغالي.

وقد يتساءل المرء عن مصدر قوة العثمانيين في الجزائر رغم قلة عددهم. والواقع أن قوتهم الأولى كانت تكمن في تأييد الخلافة لهم، وذلك هو المصدر الروحي الذي اعتمدوا عليه في حكم الجزائريين. فهم كانوا حريصين على إبقاء هذا المصدر حتى حين تمردوا على السلطان وردوا

<<  <  ج: ص:  >  >>