للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٨٥٠ ١ - ١٨٥٧). ثم ١٨٧١.

لكن الفرنسيين يعرفون أن الطرق الصوفية لم تستسلم وإنما انهزمت أمام القوة، وهم يعرفون أن المواطن قد خاب أمله، في آخر القرن الماضي، في دعاة الجهاد الذين لم يحققوا النصر، رغم ادعاء الكرامات وخوارق العادات، فالأجنبي ظل جاثما على صدر الجزائر، والمرابطون والأشراف انهزموا الواحد بعد الآخر، وأخذ المواطن يبحث عن منقذ آخر، فلا داي ولا باي ولا أمير ولا مرابط ولا جواد (١) استطاع أن ينقذ البلاد، إذن فليرتم هذا المواطن في أحضان الصوفية، وليعش في عالم الروح وعالم التخيلات، ومن ثمة نفهم لماذا تعلق المواطنون تعلق الغريق بالطرق الصوفية وشيوخها، واتبعوها مذعنين في ممارساتها ومطالبها، مهما كانت، حتى شاع عنهم التعبير الشهير (ما يأمرني به الشيخ أعمله، ولو أمرني بالإفطار في رمضان لفطرت) متيقنين أن الخلاص سيكون على أيدي الشيوخ المتصوفة، الخلاص الدنيوي من القهر والحرمان والخلاص الروحي بما فيه من جنة ونعيم، ولكن الطرق الصوفية، قد ظهرت على هذا النحو في وقت انسدت فيه أبواب الخلاص، وانقطعت فيه وسائل المقاومة، ووقعت فيه الجزائر فريسة لجيش عرمرم وقوة استيطانية تجذرت وتشابكت مصالحها مع الخارج، وإدارة مباشرة تسمى إدارة المكاتب العربية وقوانين استثنائية جائرة، ومخططات ترمي إلى سلب الجزائري المسلم هويته ودينه عن طريق تغيير الحالة المدنية، ونشر تعليم اندماجي وإفساد مقصود للأخلاق والطبائع، فماذا تفعل الطرق الصوفية؟ لقد تحولت هي أيضا إلى جهاز استغلالي في يد السلطة الفرنسية، بواسطتها تحكم وتتحكم.

لقد استطاع الفرنسيون أن يسيطروا على أعيان السياسيين والمحاربين


(١) الجواد مفرد (الأجواد) وهم رجال الحكم والسيف، ويستعمل أحيانا، سيما في شرق الجزائر لفظ الذوادي (الذواودقة). في مقابل رجل الدين من مرابطين وأشراف وشيوخ طرق، ويحلو للفرنسيين (والأوروبيين عموما) إعطاء لقب نبلاء السيف للفريق الأول ونبلاء الدين والشرف للفريق الثاني،

<<  <  ج: ص:  >  >>