للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهرت فيه الدردورية هو الهجمة الشرسة التي أبداها الاستعمار الفرنسي خلال السبعينات في عهد ما أسموه بالجمهورية الثالثة، وكذلك في وقت اشتد فيه نشاط السنوسية على الحدود الجنوبية الشرقية، وخططت فيه فرنسا لاحتلال تونس، وحدوث ثورة بوعمامة وثورة المهدي السوداني، فهذه الأحداث كانت علامات (للتعصب) الإسلامي في نظر الفرنسيين، ومن ثمة الربط بين حركة الهاشمي والسنوسية عند البعض منهم.

ومن زوايا الجنوب الرحمانية زاوية الهامل قرب بوسعادة، وحياة هذه الزاوية هي حياة مؤسسها الشيخ محمد بن بلقاسم، وهو ليس باعثا أو مؤسسا لطريقة خاصة وإنما كان محافظا على الطريقة الرحمانية التي أخذها على بعض مقدميها، وحياة الشيخ محمد بن بلقاسم تكاد تكون حياة رجل علم وتعليم لا حياة متصوف صاحب خلوة ومرابطة، ولكن البيئة العامة وعقائد الناس في الصالحين وشراسة الاستعمار الفرنسي في معاملة السكان جعلت أمثال الشيخ محمد بن بلقاسم يظهرون من رجال الساعة وموالي الوقت أو المهديين المنتظرين، فأخذوا ينسبون إليه الكرامات وخوارق العادات كأنه من الدراويش والمجاذيب، إنها نفس العقلية التي كادت تنسب إلى ابن باديس الكرامات أيضا، بينما هو رجل إصلاح ونهضة، وسترى أن السلطات الفرنسية هي التي سعت أو ساعدت على تحويل رجال العلم إلى أصحاب خرافة ودروشة، وكأن المتصلين بالدين الإسلامي واللغة العربية عندها هم بقية سلف فاقد للعقل منجذبا نحو الخرافات والشعوذة والسحر، لكي تحافظ هي على ما كانت تسميه رسالة التقدم والحضارة التي جاءت بها إلى الجزائر، والذي يدرس كتاب الحفناوي (تعريف الخلف) (١) يدرك أن هذا الرجل (الحفناوي) الذي درس الفكر الفرنسي واللغة الفرنسية على (آرنو). كان يلصق البركات والكرامات بكل شخص ترجم له من المعاصرين، ولو كان من فئة العلماء وليس من فئة المرابطين.


(١) وهو كتاب جمع من وحي إدارة الحاكم العام (جونار) والمكلف بالشؤون الأهلية (لوسياني). رغم ما فيه من فوائد جمة ومن جهد عظيم،

<<  <  ج: ص:  >  >>