للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين الإسلامي، وكانت تأتيه المراسلات من أتباعه في الجزائر عن طريق البريد والحجاج، ويعلق (رين) على محاولات ومناورات عزيز قائلا: إنه قد نضج بالسن، وتكون في مدرسة الشر، وهو يعرف أن إخوانه مسجونون في كورسيكا، وأن أقاربه ونساءه وابنه في قبضة الفرنسيين، ولذلك كان يبدي المشاعر النبيلة منذ فراره (١) من الفرنسيين، محاولا إقناعهم بتوبته النصوح، لكي يحصل على العفو، وكان يستخدم في ذلك كل الوسائل، من بينها معرفته الشخصية لبعض الدبلوماسيين الفرنسيين.

والمهم ليس ذلك، وإنما الخلافة الرحمانية، فالشيخ عزيز لم يتخل عنها سواء عفا عنه الفرنسيون أو لم يعفوا، ولكن هؤلاء غير مستعدين لتمكين عزيز من الرجوع إلى الجزائر، فهو حامل لواء ثورة ١٨٧١ وكان قد سمى نفسه (أمير جيش الجهاد). وهو الذي أثار السكان، وهو في نظرهم متفرنس وطموح إلى حد الغرور والكراهية لهم، وهو الذي تزعم اجتماع ٢٧ مارس بصدوق وخطب فيه امرأ بقتل الفرنسيين، وقد أرسل عزيز رسائل الدعوة إلى الجهاد إلى الأقارب وأهل طريقته، فكيف يعفو الفرنسيون عنه؟ ومن يكن له الحقد الأعمق إذن؟ إضافة إلى ذلك كان عزيز ينتمي للرحمانية، التي هي فرع فقط لخلوتية الموجودة في القاهرة، وبينها وبين الشاذلية مبادئ مشتركة، وهي منتشرة في أنحاء العالم الإسلامي، وللرحمانية والشاذلية علاقات مع الطريقة السنوسية، ثم إن للرحمانية سنة ١٨٨٤ حوالي مائة ألف من الأتباع - دون النساء (٢) - فكيف تغامر فرنسا بالعفو عن عزيز؟

ولعل ذلك هو السبب الذي جعل فرنسا ترضى بخلافة ابن الحملاوي الذي قيل عنه إنه كان مجهولا أو مغمورا، وبذلك ينقطع الطريق أمام عودة


(١) يذكر رين، أن عزيز نصح القنصل الفرنسي في جدة بعدم السماح للحجاج الجزائريين هذه السنة بالمجيء إلى الحجاز لانتشار (عدوى) ثورة الشيخ المهدي السوداني هناك، بدأت ثورة المهدي (محمد أحمد) سنة ١٨٨١، وتوفي المهدي سنة ١٨٨٥. لكن الثورة استمرت إلى ١٨٩٩ وانتهت بمقتل خليفته عبد اللهي (عبد الله).
(٢) هذه الأفكار واردة في (رين). مرجع سابق، ص ٤٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>