للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومهما كان الأمر فإن مدينة قسنطينة كانت، خلال هذا العهد، ثاني مدينة في القطر أهمية وحجما. وكان ترتيب مكانها الاجتماعي لا يكاد يختلف عن تركيب سكان العاصمة عندئذ. فقد كان سكانها الحضر هم الكثرة الغالبة. ويشمل هؤلاء العائلات القديمة التي استوطنت المدينة منذ أحقاب، كما يشمل العائلات الحضرية الطارئة من الأندلس وبجاية وتونس وغيرها من المدن. وقد انضم إلى هذا الصنف المولدون من العثمانيين وجالية كبيرة من اليهود، بالإضافة إلى عدد من الزنوج القادمين من الصحراء عن طريق التجارة ونحوها. كما أن بني ميزاب والبساكرة وأهل سوف كانوا فيها بعدد غير مؤكد. وكان أهل زواوة أيضا كثيرا ما يقصدونها للتجارة والعلم والعمل اليدوي. وفوق هذه الفئات الاجتماعية كان يتربع الباي ووزراؤه وديوانه وقواده، وكانت السلطة السياسية والعسكرية في يد هؤلاء. أما السلطة الاقتصادية والروحية ففي أيدي الفئات المذكورة آنفا. فالعلم وشؤون الدين في أيدي الحضر على العموم، والاقتصاد والتجارة في أيدي الحضر والكراغلة واليهود أيضا (١). ومن أشهر العائلات الغنية في قسنطينة (غنى الأرض وغنى التجارة أو كلاهما) عائلة الفكون، وابن البجاوي، وابن جلول، باش تارزي، وابن باديس، وابن حسن، وابن نعمون. وقد مر بنا وصف عبد الكريم الفكون لحضر هذه المدينة الذين يبدو أنهم كانوا يمثلون، مع حضر تلمسان، حضر القطر الجزائري أكثر مما كان يمثلهم حضر مدينة الجزائر التي كانت كما لاحظنا، مدينة دولية مفتوحة، بينما كانت قسنطينة مدينة وطنية صميمة.

وكانت مدينة قسنطينة تضم أيضا منشآت عمرانية كثيرة. من ذلك


(١) كان يهود قسنطينة الذين بلغ عددهم حسب بعض الروايات خمسة آلاف نسمة يصدرون تجارة تدر عليهم ما لا يقل عن مليون دولار سنويا بعملة ذلك الوقت -وكانوا يصدرون الصوف والقمح والشعير والوبر وريش النعام والشمع والجلود والغنم والخيول والبقر والبغال والدجاج والخشب وغيرها إلى أوروبا. انظر نوا (رحلات). ٣٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>