للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكتابه (القرون الغامضة) الذي ألفه في وقت لم تعد فيه السلطات الفرنسية في حاجة إلى الطرق الصوفية وذلك عشية الاحتفال بمرور مائة سنة على الاحتلال، وقد برر فيه الوجود الفرنسي الذي أضاء، في نظره، الماضي المظلم، ورتب الأمور بعد فوضى واستعاد الحضارة اللاتينية الطريدة منذ دخول الإسلام.

ولعل آخر الدراسات في هذا المجال هو ما نشره إيميل بيرمنغام تحت عنوان (الجزائر الدينية) في كتاب (المدخل) الذي نشرته الحكومة العامة حوالي سنة ١٩٥٧. وقد استعرض بيرمنغام في بحثه ما بقي من الطرق الصوفية، بنفس المواقف تقريبا، مع شيء من (التحرر) الذي فرضته المعطيات الجديدة في الجزائر والمشرق، وفي الفترة نفسها نشر أيضا الجنرال أندري ANDRE كتابا عن الطرق الصوفية والإسلام، أثبت فيه أن العنصرية العرقية عنده قد انتقلت إلى العنصرية الدينية، وصب فيه جام غضبه العسكري على الإسلام والمسلمين بدل أن يثبت قدرته الدفاعية كجندي في الميدان، فكان كتابه يمثل آخر (التخريفات) الفرنسية عن حياة التصوف عند المسلمين الجزائريين.

وفي هذا المجال سنتناول آراء وتوصيات وملاحظات لويس رين وديبون وكوبولاني لأن السياسة الفرنسية قد استفادت منها فيما يبدو كثيرا، ولأنها دراسات شاملة ومتخصصة، ولكننا سنستفيد من الآراء والملاحظات الأخرى كلما لزم الأمر.

يذهب رين إلى أن التعصب نادر عند المرابطين ما لم يكونوا منضوين تحت طريقة صوفية لأن مصالحهم المادية تحتم عليهم الليونة ومواجهة الواقع بروح عملية. واستشهد على ذلك بأن بعض المرابطين كان يقدم الملجأ للمدنيين الفرنسيين عند حدوث الثورات وتعرضهم للخطر، وحتى في الأوقات العادية كان منهم من قدم خدمات للمدنيين الفرنسيين أثناء عزلتهم أو ضيقهم أو حاجتهم، واستشهد على ذلك بموقف الشيخ عبد الصمد (الأوراس - جبل بو عريف) وهو من شيوخ الرحمانية، وكان عبد الصمد قد

<<  <  ج: ص:  >  >>