للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشر سنوات من دراسة ديبون وكوبولاني رأي جولي أن الطرق الصوفية قد أدت مهمتها وأنها مدعوة إلى الاختفاء وترك مكانها لبديل آخر، إنها في نظره حققت الكثير للمجتمع فحافظت على وحدته وتدينه، وقدمت خدمات اجتماعية وتعليمية، ولكنها لم تعد (حوالي سنة ١٩١٠) تساير الركب، إن العقليات قد تغيرت والمجتمع أخد يعيش تطورات جديدة لا عهد له بها، ولم يعد للطرق الصوفية قوة المقاومة والصلابة التي تمتعت بها منذ عشرات السنين، ولا خوف على السلطة الفرنسية بعد اليوم من خطرها لأن الطرق لم تعد قادرة على الثورة الجماعية القوية، فإذا كان في استطاعتها أن تتوحد لمواجهة الخطر الفرنسي في وقت ما فإنها سرعان ما تشتت وتبعثرت جهودها بعده الهزيمة، وقد حل التنافس بينها محل التفاهم والتوحيد، وتغلبت المصالح المادية عند الرؤساء على مصالح الطريقة، ولم يعد للروحيات عندها إلا أثر ثانوي، ويضيف جولي أن هذه الآلية (الطرق الصوفية) قد أدت مهمتها، وهناك آليات جديدة أكثر مضاء واتقانا لخدمة المجتمع من هذه الآلية القديمة، وقد ضغطت الإدارة على الناس فأصبحوا مرتبطين بالمصالح الخاصة، وهي عندهم المحرك الوحيد أمام مداهمة الخطر، وإذا لم تغير الطرق الصوفية جلدها، كان تصبح دنيوية Secular، فإنها تختفي تلقائيا لأن قانون الطبيعة يفرض أن كل عضو اعتراه الهرم والشيخوخة عليه أن يموت ويترك مكانه لعضو شاب يتمتع بالحيوية والقوة (١).

ويكاد أوغسطين بيرك يسير على نفس المنوال عند حديثه عن دور الدين والطرق الصوفية في المجتمع الجزائري، فقد لاحظ أن الفكر الديني عموما في الجزائر قد خضع لظاهرة دورية، ففي كل مرة تظهر حركة تطهيرية تتولد عن الحركة الأولى التي يعتريها الهرم، وهو في هذا المجال كأنه يقلد رأي ابن خلدون بالرغم من أنه انتقده بشدة وانتقد حتى من يؤمن بنظريته في دورة


(١) جولي، مرجع سابق، ص ٣٧٠ - ٣٧١، وللتذكير نقول إنه كتب هذا الرأي سنة ١٩٠٨ بعد دراسته المستفيضة عن الشاذلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>