للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحياة (١). وقد ذهب بيرك إلى أبعد من ذلك فقال إن المذهب المالكي قد جمد وحجر العقل في المغرب العربي، وغامر مع غيره (٢) الذين يقولون إن فرنسا قد ساعدت على نشر الإسلام (الإسلام الجزائري، كما يقولون) بين الجزائريين وتبنت المذهب المالكي باتباعها فقه مختصر الشيخ خليل واختيار القضاة طبقا لهذا المذهب، أما عن المرابطين فقد قال بيرك إنهم هم الذين تولوا الدفاع عن المجتمع الجزائري بعد ١٨٨٠ وقاموا بحركة التطهير والتجديد عندما أعلنوا الحرب على المسجد الرسمي، أي على علماء الدين الموظفين من قبل فرنسا للإمامة والتدريس والإفتاء ونحو ذلك، كما طلبوا الإعانة من الشرق متجاوزين الحدود التي أقامتها فرنسا، ورأى بيرك أن (الإسلام الجزائري) أي الدين كما مارسته الطرق الصوفية والمرابطون، لم يرتفع إلى السماء ولم يكن دعوة مجردة، بل هو الإسلام الذي يقترب من الناس ويوفر المعبود المحسوس (؟). وهكذا يصبح المرابط في الأرياف هو هذا المعبود المحسوس عند الناس، فهو المذهب والعقيدة، وهو الكرامة والبركة، ولذلك يأتيه الناس بالزيارات والصدقات ويطلبون منه النجدة والولادة والعلاج والغفران.

وقد طور بيرك هذه الأفكار حول التصوف في الجزائر فقال إنه لا توجد طريقة صوفية هنا بالمعنى الأسيوي - المشرقي، إن الموجود في الجزائر هو تجمع حول ولي واحد، ذلك أن المرابط هنا يبتلع الطريقة الشرقية ويصفيها من زخمها ويغلقها ويعدلها، ويجعلها طريقة محلية، فالطرق الصوفية في الجزائر ذات طابع منغلق ومستتر وليست طرقا مفتوحة ومستقطبة، ولاحظ أن الجغرافية تلعب دورا في هذا المجال، فالرحمانية في زواوة تتميز عن الرحمانية في الجنوب، والتجانية في عين ماضي غيرها في تماسين وقمار، وهناك ظاهرة أخرى وهي الهجرة السنوية من الجنوب إلى الشمال، إلى التل والهضاب العليا، حيث تذهب أعراش وقبائل، كالأرباع وأولاد نائل وأولاد


(١) قال بيرك إن ابن خلدون قرأ أرسطو وأفسد نظرياته وأنه لم يأت بجديد.
(٢) من هؤلاء المستشرق ماسكري.

<<  <  ج: ص:  >  >>