للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتضييقا على الموظفين الدينيين، ومنعا لانتشار الثقافة الدينية والتعليم.

ويتفق الباحثون الفرنسيون على أنهم عملوا منذ الوهلة الأولى على إنشاء (كليرجي) إسلامي كما فعلوا ذلك في فرنسا بعد الثورة، وعلى عدم ترك (الكنيسة) الإسلامية - في نظرهم - تسيطر على التعليم وعقول الناس والسياسة، كما كانت تفعل الكنيسة الكاثوليكية، قبل الثورة الفرنسية، وبعبارة أدق، فإن الفرنسيين في الجزائر جاؤوا بفكرة مسبقة عن الدين عموما وعن الدين الإسلامي خصوصا، وهي تجريد الإسلام من سلطته في البلاد، وما دام لا يوجد كهنوت في الإسلام ولا (كليرجي) رسمي، أو بابوية، فقد اكتفى الفرنسيون بتذويب قوة الإسلام بإجراء عدة تنظيمات وهي التالية: مصادرة الموارد التي يتغذى منها الدين والتعليم والقضاء (الأوقاف) والتحكم في مداخيلها لصالح الدولة، ثم تنظيم هيئة دينية هشة ورخوة تعمل تحت إمرة وباشارة الإدارة.

وفي حين كانت إدارة الديانة في فرنسا تشرف على الأديان وموظفيها ومصاريفها وأمكنة العبادة الخ، كانت الهيئة الدينية (الإسلامية) في الجزائر تتبع الإدارة العسكرية التي تتبع بدورها وزارة الحرب، فالمفتي والقاضي في الجزائر إنما يعينهما الحاكم العام العسكري (١). وبعد ثورة ١٨٤٨ في فرنسا أصبحت إدارة الأديان، غير الإسلام، تابعة للوزارة الخاصة في فرنسا، أما الشؤون الإسلامية فقد بقيت تابعة للحاكم العام العسكري إلى ١٨٧٠، وفي هذا التاريخ تحولت الإدارة الفرنسية في الجزائر إلى إدارة مدنية، ولكن الشؤون الإسلامية بقيت تابعة لإدارة الشؤون الأهلية التي كانت بدورها تابعة لوزارة الداخلية، وقد ظل الأمر كذلك إلى ١٩٠٧ حين طبق الفرنسيون مبدأ فصل الدين عن الدولة في الجزائر أيضا، ولكنهم استثنوا من ذلك الدين الإسلامي، فقد أصبح النصارى واليهود مستقلين في تدبير شؤون دينهم بعيدا


(١) توماس دوباري (قسيس) TH. Debary (ملاحظات على إقامة)، لندن، ١٨٥١، ص ٣٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>