للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الدولة، أما المسلمون فقد بقيت شؤونهم الدينية تحت إشراف إدارة الشؤون الأهلية الفرنسية، كما كان الحال قبل الفصل.

لقد أدى هدم المساجد بالعاصمة وغيرها، والاستيلاء على الأوقاف إلى إفقار رجال الدين وهجرة العديد منهم، إن أبواب الرزق قد سدت في وجه الكثير منهم بعد أن كانوا وكلاء أو مدرسين أو قراء، كما أن بعض رجال القضاء والفتوى والوكلاء، لم يستطيعوا التأقلم والانسجام مع الفرنسيين، وفي مراسلات المفتين مع الإدارة الفرنسية نماذج لذكر الفقراء من هذه الهيئة التي نحن بصددها، ونماذج أخرى من المهاجرين (١). وكثير من المراسلات تطلب من الإدارة المالية (الدومين) دفع رواتب، ولو قليلة، لموظفي المساجد بعد الاستيلاء على أوقافها، ومنهم علي بن جحبار (البحار؟) في جامع صفر، وأحمد بن شعبان في مسجد ابن ثلجون (قبل هدمه)، ومحمد الحرار، ومحمد بن عيسى، وعلي بن الحفاف (الذي سيتولى الفتوى).

وقد أصبح بعضهم يمد يده من الفقر بعد أن كان له معاش من إحدى المؤسسات الدينية، فهذا وكيل زاوية الشيخ الثعالبي، واسمه أحمد بن محمد، يكتب رسالة إلى الحاكم العام يشكو فقره وسوء حاله بعد أن بقي ثلاثة أشهر بدون دخل، وكان قد كتب إلى إدارة المالية (الدومين) التي استولت على أوقاف الزاوية المذكورة طالبا منها ما يعيش به، فلم ترد عليه، (فضاق علي الحال ولم يمكني إلا أن نشتكي حالي إليك، لأني لم أقبض شهريتي ثلاثة أشهر) (٢). وفي سنة ١٨٦٨ (عام المجاعة) وردت على نابليون الثالث رسالة شكوى من المؤذن بالجامع الكبير بمدينة معسكر، وهو الشيخ مصطفى بن المختار بن المكي المعسكري، قائلا: إن أملاكهم من بساتين وأرض وديار قد استولت عليها الدولة الفرنسية وأن والده كان قاضيا، ولم


(١) بعض هذه المراسلات نشرناها في (من رسائل علماء الجزائر في القرن الماضي) في كتابنا (أبحاث وآراء ...) ج ٣.
(٢) بلقاسم بن سديرة (كتاب الرسائل). ص ٢٨٣، الرسالة بدون تاريخ (حوالي الأربعينات من القرن الماضي).

<<  <  ج: ص:  >  >>