للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نملك الآن تقرير المفتي القديري عن الحادثة التي يبدو أنها قد انتهت إداريا، ولكنها لم تنته معنويا، ذلك أنها دلت على الضعف الذي أصبح عليه هذا الصنف من العلماء وعلى تداخل الفرنسيين في شؤون المجلس.

...

إن مصدر تكوين رجال الدين كان التعليم المسجدي الذي وصفناه (١). فمن الكتاب (المدرسة القرآنية) إلى دروس المساجد والزوايا المحلية. وكان بعضهم مثل ابن الشاهد وابن الأمين وابن العنابي والمقايسي قد أكملوا تعليمهم في المعاهد الإسلامية خارج الجزائر، وقد وجدت السلطات الفرنسية في أول الأمر مجموعة من هذا الصنف فعينت رجال الدين في المساجد ونحوها، وكانوا على العموم متكونين على جيل متمكن على الأقل في المواد الدينية كالفقه والتوحيد والحديث، ومن هؤلاء مصطفى الكبابطي الذي تحول من القضاء إلى الإفتاء في العهد الفرنسي، وكان عالما بالحديث والتفسير، وكان يقرض الشعر، وقد عارض الهجرة كما عرفنا، وعارض كذلك الإجراءات الفرنسية في الجامع الكبير فحكمت عليه بالنفي، وكان أحمد العباسي في قسنطينة من كبار القضاة والمدرسين وهو من خريجي جامع الزيتونة.

ولكن هذه الطبقة أخذت تنقرض بالتدرج، فلم تأت سنة ١٨٥٠ (عشرون سنة بعد الاحتلال) حتى شعر الفرنسيون أنهم لم يجدوا إطارات لتوظيفها في القضاء والديانة، لقد أخذت تلك الطبقة تنقرض بالهجرة أو بالوفاة أو بالعجز، وكان على الفرنسيين أن يوظفوا أي شخص وقف ببابهم دون مراعاة العلم والدين والنزاهة والكفاءة، وقد لاحظنا أن التعليم العربي الإسلامي قد أهمل إهمالا كاملا منذ الاحتلال، وجفت مصادره، وتمركز ما


= العربي الولائي رقم ٤٣٦ بتاريخ ١٧ سبتمبر، ١٨٥٢. ومحررة باللغة العربية.
(١) انظر فصل التعليم في الكتاتيب والمساجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>