للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتحسن المستوى إلا قليلا. فالإدارة أصبحت فرنسية وأدخلت مادة اللغة الفرنسية والتاريخ والجغرافية، الخ، وتولى التعليم مدرس بارز في قسنطينة ثم العاصمة، وهو عبد القادر المجاوي الذي تكون في القرويين، ولم تستفد هذه المدارس من علم الشيخ محمد بن يوسف اطفيش (بني يسقن) أو علم أخيه إبراهيم الذي رجع بعلم غزير من عمان ومصر، ولا من علم محمد الصالح بن مهنة الذي تخرج من الأزهر، وإنما انغلقت على نفسها وأصبح الداخلون إليها من دائرتها، والخارجون منها هم الذين يرجعون إليها مدرسين، فكانت تدور في حلقة مفرغة، والعلم يقتضي اتساع الدائرة وتلقيح الأفكار والتجارب، وكان الفرنسيون يخشون من الأفكار (الخارجية)، ونكاد لا نجد إلا المجاوي في هذا العهد، وكان استثناء لا ندري لماذا؟ ولعل صلته بالأمير عبد القادر وآل أبي طالب الذين تحول معظمهم نحو الفرنسيين، هي التي كانت السبب في الاحتفاظ به رغم أنه من خارج الإطار المرسوم للتوظيف في المدارس المذكورة.

يضاف إلى هذا الضعف تفضيل الفرنسيين ضعاف العلم وضعاف النفوس من رجال الدين، فالجزائر كانت تتوفر على عدد طيب من العلماء في مختلف مراحل العهد الفرنسي، ولكنهم لم يجدوا سبيلا إلى العمل بعلمهم في الإدارة الفرنسية لأسباب، أهمها الخوف من تأثيرهم، وهذا الوضع هو الذي سيؤدي منذ ١٩٢٠ إلى ترجيح كفة العلماء الأحرار على العلماء الرسميين في نظر الشعب، وقد ذكرنا ملاحظة أوغسطين بيرك في ذلك.

وعلى هذا الأساس كان السلك الديني في الجزائر ضعيفا في أغلب الأحيان، وقد انحصر دوره في أداء الشعائر الدينية في المساجد التي لم تهدم أو لم تحول عن غرضها، وفي بعض الزوايا ذات الطابع الرسمي كزاوية الشيخ الثعالبي وزاوية سيدي محمد الشريف في العاصمة، ومن الطبيعي أن نتذكر أن المعالم الدينية لم تكن كلها تحت إدارة موظفين مأجورين من الدولة الفرنسية، فقد كانت عشرات المساجد، مثلا، يديرها أهل القرية أو البلدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>