للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائر تظل قائمة والمقاومة بمختلف أشكالها تظل مستمرة، فالقاضي هو رمز السلطة الشرعية والساهر على تطبيق أحكام الدين، وبإمكانه، من هذا الموقع، أن يعارض السلطة الفرنسية مباشرة أو غير مباشرة باعتباره الوسيط بينها وبين الشعب، ومن ثمة يظهر أن دور القاضي كان أكثر خطورة من دور المدرس أو إمام المسجد، على الأقل بعد فصل الفرنسيين بين صلاحيات الثلاثة (القاضي والإمام والمدرس)، كما عرفنا.

كان القضاة في الماضي يتكونون في نفس المدرسة التي يتكون منها العلماء والفقهاء، فهم من رجال الدين بالمفهوم الواسع للكلمة، وهم أيضا من العلماء المفسرين للأحكام والفقهاء المصدرين لها، وكان كبار العلماء والنزهاء يفرون من منصب القضاء إذا عرض عليهم ويعتذرون عنه بأنواع الاعتذارات لخطورته في نظرهم عند الله وعند الناس، وقد استفاد الفرنسيون من بعض العلماء الذين وجدوهم ورضوا بالتعامل معهم في بداية الاحتلال، فعزلوا ونفوا بعض القضاة، وعينوا آخرين مكانهم، كما فعلوا مع رجال الدين الآخرين، ورغم أنهم أهملوا وظيفة التدريس ولم يعطوا أهمية للأئمة والسلك الديني الآخر، فإنهم أعطوا أهمية خاصة للقضاة لما لهم من علاقة بسير الحياة التجارية والمدنية والجنائية في البلاد، ذلك أن الإدارة الفرنسية الجديدة كانت في حاجة ماسة إلى مساعدة القضاة في استمرار الحياة على المستوى الإداري والديني والأمني، وكان الحاكم العام هو الذي يعين القضاة.

وقد استمر الاعتماد على بقايا العلماء في تعيين القضاة منهم وتجنيدهم إلى أن نضب المورد لعدم وجود مدرسة خاصة بتخريج الدفعات منهم، ولتوقف دروس المساجد، كما ذكرنا وإهمال التعليم العربي الإسلامي فترة طويلة، وقد استمر هذا الفرك حوالي عشرين سنة، ثم صدر كما عرفنا، مرسوم إنشاء المدارس الشرعية - الفرنسمة الثلاث، واحدة في كل إقليم، وكان الهدف من إنشائها هو تخريج القضاة بالدرجة الأولى، ولذلك كانت جريدة المبشر الرسمية تسميها أحيانا (المدارس الفقهية). وقد أسميناها نحن الشرعية، وهي المدارس التي تطورت عبر عدة مراحل، تعرضنا إليها في

<<  <  ج: ص:  >  >>