للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأثناء الحفلتين وقع ما لم يكن ليقع لولا قانون التطور الاجتماعي. ففي الوقت الذي كان فيه جزائريون آخرون يقاومون العدو في متيجة وعنابة وبجاية ووهران وسهول تلمسان ومعسكر، كان بعضهم يتبادلون الأنخاب مع الفرنسيين على أنغام الموسيقى، وقد اختلط الرجال بالنساء حسب وصف الواصفين، وصفت الأزهار، ودخن الجميع النرجيلة أو الغليون الطويل على أرائك فاخرة، وهم جالسون الجلسة العربية التقليدية، وكان النادلون من الخدم (العبيد) يناولونهم القهوة الساخنة. وحوالي منتصف الليل قدمت لهم المأكولات الجزائرية والمشروبات الفرنسية، ومن ضمنها لحوم الطير والفواكه الطازجة، ومن ضمنها أيضا ما أحل الله وما حرم (١).

هذا عن المستوى الرسمي، أما على المستوى الشعبي فقد وصف الواصفون حفلات المقاهي والخلوات الليلية بما يتناسب أيضا. فقد عد بولسكي أكثر من ستين مقهى في العاصمة كانت تقوم بهذا الدور، وكلها كانت تقع في الجزء الأعلى من المدينة (القصبة). وكانت الحفلات ليلية، والطريقة هي جلوس الفرقة الموسيقية قرب مطبخ المقهى حيث يتناول العازفون القهوة المنشطة، كما كانت تقدم القهوة والغلايين للزبائن. وقد وصف لنا الواصف نوعين من الموسيقى صاخبة وهادئة. وتحدث عن فنان مجهول ظل ستين سنة وهو رفيق قيثارته بينما تحطمت آماله بالاحتلال فأضاف الحزن إلى نغمة القيثارة وكتم آلامه لأن الفرنسيين لا يسمحون له أن يصرح أو يلمح بالتعبير عن ذكريات أجداده وأمجاده (٢).

يقول بولسكي، إن الآلات الموسيقية تكاد تنحصر في الربابة ذات الثلاثة أوتار، إضافة إلى آلات النفخ الأخرى مثل الجواق والقيثار والطار


(١) أرسين يرتاي (وصف حفلة رقص أقامها كبار أعيان الحضر لمدينة الجزائر بمناسبة وصول ... ديرلون ...) في (الجزائر الفرنسية)، باريس ١٨٥٦، ج ١، ص ٤٢٦ - ٤٣١.
(٢) انظر لاحقا، ولعله هو الحاج إبراهيم الذي سيأتي ذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>