للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقهى الذي لا نعرف من اسمه سوى أنه شاوش. وفي هذا المقهى كانت الفتيات يرقصن أيضا على أنغام الموسيقى، كما كن يغنين مع مطربين آخرين. ولا ندري هل كان ذلك الاختلاط قديما أو جديدا حدث مع الاحتلال. ومهما كان الأمر فإن هذه الحياة الليلية كانت لها قوانينها الخاصة حتى في العهد العثماني.

وهناك مقهى آخر كان يملكه أحد اليونانيين، وكان صاحبه يستجلب الزبائن إليه بشتى أنواع الإغراءات، حتى المنحطة منها. ويقول بولسكي إن أسوأ الأهالي كانوا يخالطون أسوأ الأوروبيين. وقد سبقه إلى ذلك ابن خلدون حين قال إن المغلوب مولع بتقليد الغالب. ولعله لا يعرف مثلنا الذي يقول إن الطيور على أشكالها تقع. ولا يهم بعد ذلك دين ولا وطن. فالغرائز واحدة والحيوانات تظل هي هي ولو نقلت من قارة إلى أخرى. ويفيدنا بولسكي أن أحد الرسامين الفرنسيين رسم صورة لهذا المجتمع المتسفل أو الخليط السافل، كما سماه، فجاء بصورة فظيعة عن الحياة في الجزائر عندئذ. وإنما هي البداية فقط، فنحن ما نزال في أول العهد الاستعماري. ومع ذلك يعتب الفرنسيون على الجزائريين الذين لم يرسلوا أولادهم إلى مدارسهم التي تحمل أنوار الحضارة!.

ويبدو أن المقاهي الأخرى كانت (متخصصة). فكل مقهى كان مختصا بتقديم حفلة أو موسيقى متميزة لزبائنه. فهناك تنافس على جلب الزبائن والتنفيس عن أحزانهم ودغدغة عواطفهم، وجمع المال من حرامه وحلاله. كما كانت للزنوج موسيقاهم التي يزفون فيها آلاتها يوم العيد. وكانوا يجوبون الشوارع ويضربون الدفوف بطريقة تصدع الآذان، حسب سواح ذلك الوقت، وهم لا يتصرفون إلا إذا قدم إليهم المارة قطعة أو أكثر من النقود (١). والمعروف أن حفلات المقاهي كانت تنشط خلال شهر رمضان حين يطول السهر، ويباح الخروج حتى للنساء أحيانا ويكثر اللعب والأكل واللهو ليلا. وكان بعضهم يسمي ذلك النشاط مهرجانات رمضان.


(١) بولسكي (العلم المثلث)، لندن، ١٨٥٤، ص ٣٢ - ٣٣، ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>