للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائرية هناك. ولعل الشيخ عبده قد تحادث مع الأمير أو مع أبنائه عن أحوال الشرق والجامعة الإسلامية وجمعية العروة الوثقى التي قيل إن الأمير كان عضوا فيها. وتدل المراسلات بينهما على وجود علاقة خاصة، ويذكر الشيخ رشيد رضا الذي أرخ لحياة الشيخ محمد عبده أن هذا قد كتب عددا من الرسائل إلى الأمير، وأن مخاطباته له قد كثرت فكانت طورا في رسائل الإصلاح وطورا في رسائل الوداد. وجاء في أحد هذه المخاطبات ما يدل على تكرار المراسلة بينهما بعد اللقاء، وعلى التقدير الكبير الذي يحمله الشيخ عبده للأمير، كما يدل على وجود (أسرار) بينهما يرمز إليها الشيخ رمزا، كقوله (ورجائي ألا يزايل فكرك ما تفارقنا عليه وسبق الكلام فيه مرارا ... وأن يرد لي من سيادتك ما يبشرني بسلامة حالك، ومجمل الحاصل من سعيك) (١). وعلى اثر وفاة الأمير كتب الشيخ عبده معزيا ولديه محمد ومحيي الدين بعبارات مؤثرة، كقوله (وليس من كلمة أجمع لكلماته ولا قول أوفى بفضائله سوى أنه منتهى وصف الواصفين وغاية مدح المادحين) (٢).

ثم تردد الشيخ عبده على تونس فزارها مرتين في الثمانينات. وكانت فرنسا عندئذ حديثة عهد باحتلالها. وكان فيها بعض الجزائريين، في جامع الزيتونة وفي الإدارة وفي الصحافة، فليس غريبا أن يلتقي الشيخ عبده بعدد منهم عندئذ، وأن يعرف منهم القليل أو الكثير من أحوال الجزائر التي كانت وقتها تحت إدارة لويس تيرمان. ولا نظنه إلا قد سمع عن السياسة الفرنسية فيها وعن أحوال التعليم والقضاء والأوقاف والمساجد والحج فأراد أن يقف بنفسه على جليات الأخبار. فالمبادرة بالزيارة فيما يبدو كانت من عنده، رغم أن البعض ربما يذهب إلى أن المبادرة قد تكون فرنسية، الهدف منها جذب الشيخ عبده، الذي عاش في فرنسا فترة إبعاده، عن الفلك البريطاني. ومن يدري فقد تكون لبريطانيا أيضا مصلحة في زيارة الشيخ عبده لمستعمرة


(١) محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام، ٢/.
(٢) نفس المصدر، ونص الرسالة موجود فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>