للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصلحاء.

ومن أهم ما كان يميز بعض الزوايا والأضرحة كونها ملجأ يلجأ إليه الهاربون من العقاب والقتل مهما كانت جرائمهم. فقد كان الولاة والعامة يعتقدون في حصانة حمى الزاوية والضريح. ويكفي أن يهرب الجاني إلى هذا الحمى فلا يلحق به أحد، ولا يمسه سلطان. وقد وقعت حوادث الفرار إلى زاوية الولي داده وزاوية القليعة والثعالبي وغيرها، سواء من الولاة أنفسهم أو عامة الناس، ولا شك أن ذلك كان يدخل في عقيدة الناس في صلاح الأولياء وقدرتهم على تسليط غضبهم على من يهين حماهم. وقد قيل إن صالح باي قد بنى قبة في المكان الذي قتل فيه المرابط محمد الغراب بعد أن تحولت جثة هذا إلى غراب مخيف تطير منه الباي. وكان الثوار في نواحي قسنطينة لا يمسون من يلجأ إلى زاوية/ معمرة الواقعة في أراضي أولاد عبد النور، وكان محيي الدين مقدم الطريقة القادرية (زاوية القيطنة) يصف زاويته بأنها كمقام إبراهيم الخليل من دخلها كان آمنا.

ويختلف موظفو الزاوية عن موظفي الجامع في كثير من الوجوه. ذلك أن المسؤول الرئيسي على الزاوية في العادة هو مؤسسها أو المرابط نفسه أو ورثته. فهي مقام الولي ومصلاه، ومجمع أوراده وأذكاره، وفيها يدرس ويستقبل المريدين، وفيها (وخاصة في الأرياف) يصلح بين الناس وينورهم في شؤون دينهم ويفتيهم ويحكم بينهم. وفي غياب المؤسس أو المرابط يتولى إدارة الزاوية عادة أبناؤه وأحفاده على نفس النمط. وهكذا كانت زاوية أو خلوة عبد الرحمن الأخضري وزاوية المجاجي وزاوية ابن علي مبارك بالقليعة. ولكن الزاوية لا تحتاج فقط إلى المرابط ومن يقوم مقامه من أبنائه وأحفاده أو عائلته بل تحتاج أيضا، كالجامع، إلى منظفين ومؤذنين ومساعدين وغيرهم. فالزاوية النشيطة عبارة عن خلية حية يتحرك فيها كل شيء كالساعة في انتظام ودقة ومسؤولية (١). وكانت بعض زوايا المدن تحت


(١) جاء في قانون زاوية سيدي منصور التي أشرنا إليها أن التلاميذ هم الذين يتولون =

<<  <  ج: ص:  >  >>