للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس عن دين محمد المزيف، كما يقول الأب بارجيس والأسقف بافي، وكان رجال الاستشراق والاستغراب يتعاونون على تحطيم اللغة العربية بإهمالها وإحياء العاميات واللهجات المحلية وتدريس كل ذلك باللغة الفرنسية وتربية الجزائريين المتصلين بهم على هذه الفكرة.

وقد تحدثنا حتى الآن عن الموقف من التعليم ومن المعالم الإسلامية وموقف الاستشراق من اللغة العربية واللهجات في فصول أخرى. أما الموقف من المقاومة فقد تناولناه في كتابنا الحركة الوطنية. ونريد الآن أن ندرس ظاهرة أخرى في هذا المخطط الاندماجي الفرنسي، وهي إنشاء نواة تكون هي الوسيلة إلى ذلك، ومن الممكن تسميتها بنواة الاستغراب والاندماج والتفرنس (١). ونحن نعتبر ذلك من الفرنسيين أمراء طبيعيا. فكل أمة تحتل أمة أخرى ترت فرض سيطرتها بإلغاء النظم التي سبقتها وتعويضها بنظمها الخاصة، ومحاولة جعل الأمة المحتلة في مستوى الأمة الغازية، أو سحقها. وقد تكون هذه العملية بالجبر والقهر وقد تكون باللين واتخاذ القدوة دون تعسف. ومن الأمم من تلجأ إلى القهر ومعاملة المحتلين معاملة العبيد أو الأندجين. وقد اتبع الفرنسيون الطريقة الأخيرة.

فإلى جانب القهر العسكري الغاشم استعمل الفرنسيون أسلوب التبشيع لكل ما هو قائم قبلهم، وقد استفظعوا السلوك الديني واللغوي والأخلاقي والاجتماعي للجزائريين بالكلام والكتابة والمعاملة. واتبعوا طريقة الاحتقار والإهانة. وبالغوا في الاعتداء على الأملاك ومصادرة الأراضي، وهكذا جعلوا من أنفسهم مستبدين طغاة، فأصبح الجزائري المغلوب معهم يتمنى إزالة ملكهم وانقراض دولتهم. وكان هذا هو رأي السكان حتى الذين أجبرهم الفرنسيون أو أجبرتهم الظروف المعاشية على العمل في إطار إدارة الاحتلال.


(١) انظر مقالتنا عن (الاستيطان والاندماج في الجزائر) في مجلة (الندوة) الأردنية، عدد ٢، المجلد ٨، مايو، ١٩٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>