للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مقابل ذلك عمل الفرنسيون على إنشاء نواة تكون هي الوسيلة للفتنة الاجتماعية واللغوية، على أن تتولى هي المناداة بالاندماج والاستغراب في الوقت المناسب. وكانت المقاومة العنيفة والمعاملة الجماعية السيئة قد أخرت ظهور هذه النواة. فنحن لم نسمع بأصوات جزائرية تصرح بتقليد الفرنسيين إلا في الستينات من القرن الماضي، أي بعد جيل من الاحتلال (١). وكانت هذه الأصوات خافتة في البداية. وكانت على لسان بعض الشيوخ الذين لم يدرسوا في المدارس الفرنسية أو الذين درسوا فيها ولكن حظهم من الثقافة العربية الإسلامية كان أقوى، وكانوا ما يزالون متحصنين. ولا ندري هل كان أولئك النفر القليل الذين ظهرت دعوتهم على صفحات جريدة المبشر الرسمية، هل كانوا يكتبون عن عقيدة وإيمان أو كانوا يكتبون مأجورين. والواقع أن أصوات هؤلاء كانت لا تخرج عن الدعوة إلى (العلم) وإلى تعلم الفرنسية باعتبارها لغة هذا العلم الجديد، والدعوة إلى تعلم التكنولوجيا الغربية (الفرنسية). وهذه الدعوة ليست جديدة في حد ذاتها، فقد دعا إليها بعض العلماء المسلمين حتى قبل الاحتلال الفرنسي، أمثال محمد بن العنابي في (السعي المحمود) (٢). ولم يكن عالم متنور مثل حمدان خوجة يعارض التعلم بالفرنسية ولا تعلم العلوم الحديثة من الأوروبيين. ولكن الذي عارضه، وعارضه الجزائريون معه هو الاحتلال والاعتداء على حرمات المساجد والبيوت والمكتبات والأراضي، وهو القهر والتسلط ثم تسمية كل ذلك رسالة حضارية فرنسية.


(١) من الذين انبهروا بالفرنسيين أول مرة أحمد بوضربة سنة ١٨٣٠، وقد كان معاشرا للفرنسيين في مرسيليا قبل الاحتلال. ولكنه سرعان ما خاب أمله بعد أن تبين خطأه من حسن الظن بهم، رغم مؤهلاته كمتعلم بالفرنسية، ليلعب دور الوسيط. وقد انضم إلى الأمير عبد القادر، ثم مات هو وعمه مصطفى في المنفى (طنجة). انظر عنه الحركة الوطنية ج ١. وكنا قد جمعنا عنه ملفا لنخصه بدراسة، ولكن الملف ضاع في أوراقنا سنة ١٩٨٨ ضمن المحفظة المعروفة.
(٢) انظر كتابنا (رائد التجديد الإسلامي) ط. ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>