للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحب أن نسجل عنه بعض المواقف. الأول أنه زار الأندلس سنة ١٨٨٣ موطن أجداده، إذ كانت أسرته أندلسية الأصل، فتوقف بقرطبة وأشبيلية وغرناطة. وتأمل الآثار واستعاد الذكريات. وكان إعجابه بحضارة الأندلس أكثر من إعجابه بالحضارة الفرنسية التي خالطها في باريس. فلم يسلبه ما عاشه هنا ما تركه الجدود من ذكريات وجذور. والموقف الثاني أنه تولى النيابة في المجلس البلدي في مدينة الجزائر منذ ١٨٨٨، أي في عمق عهد تيرمان. وأثناء ذلك وقعت محاولة هدم الجامعين الباقين، وهما الجامع الكبير والجامع الجديد، وبناء فندقين مكانهما. وكان الحكيم محمد بن العربي، كما قيل، وراء إفشال مشروع (دوردون) الذي وافق عليه الحاكم العام تيرمان (١). أما الموقف الثالث له فهو مطالبة لجنة جول فيري ١٨٩١ بإلغاء قانون الأهالي واحترام القضاء الإسلامي، والتعليم بالعربية. وقد سافر مع زميله محمد بن رحال إلى فرنسا لهذا الغرض أيضا.

من الصعب أن نلم بكل جوانب حياة الحكيم ابن العربي هنا. وسنعالج موضوع أطروحته في الطب في فصل العلوم. ولابن العربي أخ في الطب أيضا يدعى قدور، كان يعمل في البلاط التونسي. كما كان له أخ يعمل مترجما عسكريا احتياطيا. فهو إذن من عائلة اختارت أن تدرس الفرنسية ولكن بقاعدة عربية وانتماء حضاري متحمس. وكان ابن العربي ما يزال حيا سنة ١٩٢٧ ولكن في أرذل العمر (٢).

...

مع مطلع القرن العشرين ظهرت فئة من الاندماجيين المسلوبين، ولم يكونوا جميعهم سواء في تطرفهم أو جهلهم وتنكرهم لماضيهم. ففيهم


(١) عن هذه القصة أنظر فصل المعالم الإسلامية.
(٢) انظر عنه محمد بن العابد الجلالي، (تقويم الأخلاق)، الجزائر ١٩٢٧، ص ٥٨ - ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>