للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبائلي في مجلس الوفود المالية ضد الاحتكام للعرف، بدعوى أنه قديم وغير صالح للتقدم المنشود، ونادى الوفد بإلغاء توصيات كتاب هانوتو ولوقررو اللذين جعلا العرف البربري كأنه قرآن، وطالب الوفد بتطبيق الأحكام الشرعية المطبقة على كل سكان الجزائر. ولكن الإدارة رفضت طلب الوفد وحافظت على العرف البربري القديم، بل إن دومينيك لوسياني نفسه (وهو مدير الشؤون الأهلية عندئذ) كان لا يطيق العرف البربري، ويعتبره، كما صرح بذلك، من الخرافات وبقايا التوحش، ولكنه ولأسباب سياسية، كما يقول آجرون، كان يبقي على العرف (١). وتمشيا مع هذه السياسة قام شارل جونار (الحاكم العام) بإلغاء تسمية المكاتب العربية في زواوة سنة ١٩٠٤، وسماها مكاتب الشؤون الأهلية. وكان الهدف هو مكافحة التعريب في المنطقة.

وأخذ الإداريون الفرنسيون يشيعون أن الزواوة يرفضون القياد العرب أو من كانوا من أصول عربية، وهو موقف لم يصدر عن الزواوة أنفسهم، وإنما كان الحكام الفرنسيون يبررون به الأحداث والتصرفات التي وقعت في المنطقة وحتى في غيرها. فقد قالوا عن حريق جرى في جرجرة سنة ١٩٠٤ إنه حدث نتيجة غضب السكان من فرض قياد وشيوخ من أصول عربية، رغم أنفهم (٢). وقد ذكرنا أن ممثلي الزواوة طالبوا بالثقافة العربية وذلك بإنشاء مدرسة في بجاية على غرار المدرسة الشرعية - الفرنسية في كل من تلمسان وقسنطينة والعاصمة. ولكن الفرنسيين لم يستجيبوا لهذا الطلب أيضا. كما رفض القضاة المسلمون في الزواوة تسجيل أحكامهم باللغة الفرنسية، وظلوا يحررون بالعربية أسوة بالقضاة في الجزائر كلها إلى أن تدخلت الإدارة وفرضت حلولا فوقية أخرى (٣).


(١) آجرون، مرجع سابق، ج ٢/ ٨٧٩.
(٢) نفس المصدر، ويقول آجرون إن نفس المبرر ذكروه مع ثورة ١٨٧١، وحتى في الأوراس سنة ١٨٧٩.
(٣) المقصود هنا الأحكام في الأحوال الشخصية. أما الأحكام الأخرى فقد احتكرها القضاة الفرنسيون. انظر فصل السلك الديني والقضائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>