للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤدب، لأنه موضع ثقتهم، ويوجهون اللوم إلى التلميذ، وقد يقولون للمؤدب (العصا لمن عصى)، وهم يعنون بذلك أن الذي يستحق العقوبة هو العاصي أو المتمرد، ومن ثمة يستحق الضرب بالعصا، ولكن اللجوء إلى هذه المعاملة نادر جدا، وهو أساسا يعود إلى مزاج المؤدب، فإذا تكرر منه ذلك وكثرت ضده الشكاوي يعفيه الآباء من مهمته، كما سبق، كما أن اللجوء إلى الفلاقة لا يكون إلا في الأحوال النادرة حين يرتكب التلميذ خطأ كبيرا كالسرقة ونحوها، وتكون الفلاقة بوضع قدمي الطفل بين حبلين ممسوكين بعصا والضغط على القدمين بالحبلين حتى لا تنفلتان، ثم توقيع الضرب عليهما عشرا أو عشرين مرة أو أكثر وأحيانا حتى تدمى القدمان، ولا يستطيع المؤدب أن يقوم بهذه العملية وحده ولذلك يلجأ إلى كبار التلاميذ ليساعدوه عليها، وكثيرا ما أدت الفلاقة وقسوة المعاملة إلى هروب التلاميذ من الكتاب وانقطاعهم مؤقتا أو دائما عن التعليم في هذه المرحلة.

ومع ذلك فإن عددا من المؤلفين قد أشاد بالطريقة البيداغوجية الجيدة التي كانت متبعة في هذا المستوى من التعليم (١) فالعصا أساسا كانت تستعمل لإبقاء النظام وجلب الانتباه وليست للعقوبة وكانت العلاقة جيدة بين التلميذ والمؤدب، وهي تقوم على مبدأ احترام الصغير للكبير القائم عليه المجتمع كله، وعلى مبدأ آخر وهو احترام حفظة القرآن ورجال العلم من الجميع أيضا، وكان الآباء ينقلون، بالتقاليد، هذين المبدئين للأبناء، وتظل هذه العلاقة بين التلميذ والمؤدب محفوظة حتى عندما يصبح التلميذ رجلا مسؤولا فهو دائما ينظر إلى مؤدبه (أو شيخه) نظرة تجلة واحترام، يحييه ويقوم له في المجلس ويستشيره في الملمات، ويدعوه في المناسبات، ويذكره بعد الوفاة بعاطفة وتأثر. فهو حسب التقاليد، والده الروحي.

ويعتمد التعليم الابتدائي على الحفظ، فالتلميذ الذكي قد يختم القرآن حفظا وهو دون العاشرة. غير أن معدل سن حفظه كله هو الثانية عشرة


(١) بولسكي (العلم المثلث)، ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>