للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا العهد. ومن جهة أخرى كانت الرواية، ولا سيما رواية علوم الحديث، مظهرا من مظاهر الثقافة عندئذ عند المدرسين. فالطالب كان يروي علومه عن شيخه وهذا عن شيخه وهكذا إلى أن يصل الطالب بالمسألة العلمية إلى صاحبها الأول عن طريق الرواية. فإذا كان الموضوع في الحديث النبوي فالرواية تعني الوصول به إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهو ما يعرف عندهم بالسلسلة وأحيانا يعرف بالسند أو الإسناد. وقد ألف الجزائريون في ذلك عدة تآليف وأشادوا بالحفظة والمسندين والرواة، ولهم في ذلك طرق معهودة وصيغ محفوظة. ومن أشهر من ترك آثارا في هذه النقطة (التي سنعود إليها في الجزء الثاني) أحمد بن عمار وعيسى الثعالبي وأبو راس وابن العنابي.

وبالإضافة إلى علوم الحديث كانوا أيضا يهتمون بالرواية في العلوم النقلية الأخرى كالتفسير والفقه. وقد قيل عن الأمير عبد القادر أنه أخذ التفسير والحديث والفقه والنحو وأصول الدين عن والده، كما أخذ والده هذه العلوم عن شيخه عبد القادر المشرفي، إلى آخر السند. ووصف لنا ابن حمادوش في رحلته طريقتهم في علاج درس البخاري بالجامع الكبير بالعاصمة على عهده.

ولا شك أن الملل كان يرافق جميع الدروس باستثناء تلك التي كان يلقيها مدرسون جمعوا إلى التعمق في المعرفة قوة الشخصية والسيطرة على اهتمام الطلاب. وكما اهتم المدرسون بالرواية اهتماما بالغا اهتموا أيضا بالدراية، وهي إدراك المسائل عقليا بعد تعلمها بالنقل، ولكن اهتمام علماء هذا الوقت كان بالرواية أكثر، ولذلك غلب النقل على العقل عندهم ومنطوق العلوم على مفهومها ذلك أن إدراك العلوم بطريقة عقلية كان يصل بهم إلى الاجتهاد واستعمال النظر أو ما نسميه اليوم حرية الفكر وهم لا يريدونه لأنهم لم يكونوا يثقون في علمهم ولأن ادعاء بعض المدرسين الاجتهاد كان يؤدي بهم إلى عواقب وخيمة كالاتهام بالزندقة والإلحاد والكفر ونحو ذلك.

وتنتهي علاقة الطالب بأستاذه لعدة اعتبارات. منها وفاة الأستاذ كما

<<  <  ج: ص:  >  >>