للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدو أن الزياني الذي كان على صلة وطيدة بالإدارة الفرنسية، كان يعرف جيدا خوف هذه الإدارة من كل ما هو ضدها. فحذر الجزائريين من عواقب الأحداث التي جرت مع الفرنسيين. وهذا هو معنى ما وقع وما سيقع معهم وقد شاع أقوال التأسيس بين المتعلمين، سيما في آخر القرن الماضي وخلال الحرب العالمية الأولى. وتناقلته الأيدي، وثارت ثائرة الإدارة الفرنسية عندما علمت بذلك، لأنها كانت تخشى ما قد يقود إليه من تورات. وكان المستشرقون والضباط يحذرون دائما من استعمال الجزائريين الألغاز والرموز والتنبؤات. فأخذوا يبحثون عن هذا الكتاب ويتلفون نسخه، رغم أنه غير مطبوع، وتتبعوه حتى في المكتبات الخاصة والمنازل وعند المشكوك فيهم من المتعلمين. ويقول الشيخ المهدي البوعبدلي إن السلطات الفرنسية قد سجنت الكثير من المتعلمين (الطلبة) لظنها أنهم يملكون منه نسخا (١).

ونفهم من ذلك أن الزياني قد وضع على عمله اسم أبي راس، واطمأن على ذلك، فلم يواجه أية تهمة مباشرة من السلطات الفرنسية. ومعنى ذلك أن المؤلف كان معلوما ولكنه ليس الزياني. أما كريستلو فقد أشار إلى (أقوال التأسيس) بطريقة أخرى. وبناء عليه فالتأليف كان مجهول المؤلف، ولكنه غير أبي راس بالتأكيد عنده، لأن مؤلف (أقوال التأسيس) كان يعرف أحداث العصر، من حادثة فاشودا بين الفرنسيين والإنكليز إلى أزمة المغرب وتدخل ألمانيا. وكان المؤلف أيضا من القضاة العارفين بالسياسة الفرنسية. وقد تنبأ بسقوط الطغاة وتغيير الوضع الاستعماري في الجزائر. ويذهب السيد كريستلو إلى أن المؤلف كان خلدونيا في تحليله وليس مهدويا في تنبؤاته وخرافاته، كما قد يتبادر إلى الذهن. وقد اطلع عليه هذا الباحث الأمريكي في الأرشيف الفرنسى. ويقول كريستلو إن الكتاب قد ظهر عند ثورة بنى شقران سنة ١٩١٧


(١) البوعبدلي، مقدمة دليل الحيران، ص ١٣. ولم يذكر الشيخ البوعبدلي أدلة على هذه الدعوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>