للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحياة المدني أصبحت معروفة بعد نشره لمذكراته (حياة كفاح)، ولكن جوانب أخرى منها ما تزال غير معروفة وهي متروكة للباحثين في تراجم الرجال وعلاقة ذلك بالعصر وأهله. ونحن نعلم أن المدني كان كثير التمجيد لنفسه ومواقفه وإبراز شخصيته أثناء وجوده في معترك الحياة مع جمعية العلماء ومع جبهة التحرير الوطني. وكانت حياته حقا نموذجا للرجل المكافح منذ الشباب المبكر. لقد ولد في تونس آخر القرن الماضي (١٨٩٩) في عهد خصب بالنشاط العلمي والسياسي شهد ميلاد المدرسة الخلدونية وازدهار الصادقية، وإصلاحات جامع الزيتونة المعمور. وكان الصراع اللغوي في تونس يختلف عنه في الجزائر، فقد كانت النخبة التونسية غالبا مزدوجة اللغة، وإذا كانت واحدية اللغة فإنها لم تكن منغلقة على نفسها، وقد أدى الصراع اللغوي إلى انفتاح سياسي أيضا، وكان ذلك في عدة اتجاهات: وطني محلي، ووطني عثماني، ووطني متفرنس. وقد تخرج المدني من الزيتونة والخلدونية، وشارك في الصحافة والسياسة والحياة الحزبية، ولكن ذلك قد جلب عليه نقمة الإدارة الفرنسية فنفته إلى موطن آبائه وأجداده، الجزائر، سنة ١٩٢٥.

ومنذ هذا التاريخ أصبح المدني مؤثرا في الحياة الجزائرية. وكان قبل انضمامه الرسمي لجمعية العلماء في أوائل الخمسينات، قد شارك في تنشيط العمل الثقافي والصحفي والتأليف. في المجال الأول ساهم في تأسيس نادي الترقي بالعاصمة وإنشاء بعض المدارس الحرة، وفي المجال الثاني شارك بمقالاته الصحفية في الشهاب وغيرها عن أحداث المغرب العربي والسياسة العالمية والعربية، وفي المجال الثالث وجدناه قد أصدر عدة مؤلفات خلال العشرينات والثلاثينات، منها قرطاجنة، وتقويم المنصور، وكتاب الجزائر، ومحمد عثمان باشا، الخ. وأثناء الحرب العالمية الثانية ساهم أيضا في تحرير جريدة الإصلاح للعقبي، وكان من الأعيان الذين تفاعلوا مع الحلفاء ولهم رأي في بيان ١٩٤٣. وبعد الحرب أصبح من محرري جريدة البصائر، لا سيما باب السياسة العالمية، ثم أمينا، عاما للجمعية، وفي غياب الشيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>