للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن المفتي، فعزله بعض الوقت ثم أعاده بعد أن تبين براءته (١). وعاصر محمد قدورة عددا من العلماء المنافسين له، كما عاصر عددا من المفتين الأحناف الذين كانوا يشاركونه الرأي في المجلس القضائي والعلمي بالجامع الكبير. وعاش في ظرف سياسي حرج لأن الجزائر في عهده الطويل قد شهدت تغييرات كبيرة في نظام الحكم نفسه مع ما في ذلك من إراقة دماء وانقلابات ومؤامرات (٢).

أما أحمد قدورة فقد تولى الفتوى من وفاة أخيه سنة ١١٠٧ إلى مقتله سنة ١١١٨. وكان أحمد حسب وصف ابن المفتي الذي عرفه شخصيا، قوي الجثة سمينا. ويبدو أنه لم يكن في درجة أبيه ولا أخيه العلمية. ولعله كان كبير السن عند وفاته. ومع ذلك فإن المؤامرات السياسية لم ترحمه. ورغم هذا المصير لواحد من أهم أعضاء أسرة قدورة فإن الباشوات قد استمروا، كما أشرنا، في تعيين المفتين منها تمشيا مع عقيدة بعض الناس عندئذ، وهي أن البلاد تصاب بالوباء إذا لم يتول فتواها أحد أعضاء أسرة قدورة. لذلك عين الباشا محمد بكداش (الذي حكم بقتل أحمد قدورة) عبد الرحمن المرتضى ليخلف خاله في وظيفته. وقد ظل المرتضى يتناوب هذه الوظيفة مع سعيد بن أحمد قدورة (ابن القتيل) مدة. ويقال إن سعيد قدورة (الحفيد) كان من أجهل الناس بالعلم والفتيا، ومع ذلك عينوه لعقيدة الناس السابقة في عائلته (٣). ومهما كان الأمر فقد انتهى عندئذ قرن من الزمان سيطرت فيه أسرة قدورة على الإفتاء المالكي في الجامع الكبير وعلى أوقافه وعلى الحياة العلمية بصفة عامة، وخاصة التدريس.


(١) نور الدين عبد القادر (صفحات) ٢٨١.
(٢) من ذلك استيلاء الأغوات على الحكم ثم استيلاء الرياس عليه منهم ومن الحكم الثنائي (الباشا والداي).
(٣) لعل ذلك لم يكن هو السبب الوحيد وراء تعيين المفتي من عائلة قدورة. فالظاهر أن هذه العائلة كانت تحتفظ بأشد الولاء للعثمانيين، بالإضافة إلى السمعة التي تتمتع بها بين العلماء حتى خارج الجزائر، كما كانت لها علاقات تجارية مع أغنياء البلاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>