للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن تقاليد السلف قد تركت لفئة العلماء تتفذها وتبدئ فيها رأيها. وهكذا بدأ الفصل في تطبيق الأحكام في الدولة الإسلامية الواحدة التي من المفروض أن ولاتها يمثلون الدين والدولة معا، وأن جميع القوانين فيها مستمدة من الشريعة الإسلامية. وبذلك أصبح للحكام مجالهم الخاص في التنفيذ كما أصبح للعلماء مجالهم. فإذا تعارض الأمران تغلب أصحاب الجانب الأول لما لديهم من القوة والسلطان، وليس لما لهم من الحق والبرهان.

وكان الباشوات في الجزائر هم الذين يعينون العلماء في وظائفهم بينما لم يكن للعلماء دخل في تعيين الباشوات. فقد كان الأوجاق هم الذين يقررون مصير الباشا، فإذا رضوا بقي في الحكم وإذا غضبوا وقعت الثورة وسقط الباشا مضرجا في دمائه أو مدلي من حبل المشنقة، وفي بعض الأحيان كان الأوجاق يأخذون في الاعتبار سخط العلماء على الباشا، ولكن ذلك لم يكن أمرا ضروريا للإطاحة به إذ كان يكفي تجمع عدد من الجنود عند القصر ودخول طليعة منهم للقبض على الباشا وإعدامه. وكان دور العلماء في هذه الحالات سلبيا، فهم ينتظرون انجلاء غبار الثورة لكي يباركوا للباشا الجديد ويتقدموا إليه بالبيعة والتهنئة وعروض الولاء. وقد وقف بعض العلماء أحيانا مواقف سياسية من بعض الولاة فكان نصيبهم الإعدام. كما حدث للمفتي أحمد قدورة مع الباشا محمد بكداش. وكان عزل العلماء من وظيفتهم أخف الضررين. كما أن النفي كان أحد طرق التخلص من العلماء.

والعلماء فئة احتكرت مجالات معينة في المجتمع، وهي الإفتاء والقضاء والتعليم والإمامة والخطابة. ورغم تعدد هذه المجالات فإنها كانت ضيقة ومحددة، ولذلك كثر التنافس عليها بينهم. وكان هذا التنافس بدوره سببا في إضعاف دورهم السياسي لأن الباشوات والبايات كانوا يضربون هذا بذاك ويغلبون فريقا على فريق وعائلة على عائلة عند الضرورة. ورغم قرب القضايا التي يعالجونها والوظائف التي يؤدونها من الشعب فإن العلماء،

<<  <  ج: ص:  >  >>